خطة إقتصادية “إنشائية” يعوزها المنطق وتنقصها النيّة
كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
متأخرة نحو 6 أشهر عن موعد إطلاقها، أبصرت “خطة التعافي الإقتصادي” النور في الوقت الضائع، لتُدخل البلد رسمياً في نفق مجهول. الحكومة التي أعلنت على لسان رئيسها من “المجلس الاقتصادي والاجتماعي” في تشرين الاول 2021 عن جهوزية الخطة، تعمدت عدم اعتمادها، مفضلة أسلوب “يا هم روح مني لغيري”. وهو ما “يتناقض مع مفهوم وبديهيات العمل الحكومي التي تقتضي وضع الخطط لتطبيقها”، بحسب أستاذة القانون المتخصّصة في الشأن المصرفي، سابين الكيك، “ان إقرارها في الجلسة الاخيرة من عمر الحكومة لا يوحي إلا برغبة للتنصل منها، وهذا ما تبرع به حكومات الرئيس ميقاتي؛ وسلسلة الرتب والرواتب خير شاهد على ذلك”.
إقرار الخطة في اللحظة الاخيرة من عمر الحكومة يحمل تضييعاً مزدوجاً للوقت؛ مرة بتأخير الإصلاحات لأكثر من 8 أشهر في أدق مرحلة من تاريخ البلد، ومرة باحتمال نسف الحكومة الجديدة للخطة القائمة وأخذ وقتها لإعداد خطة جديدة. وذلك على غرار ما حصل مع “خطة الإنقاذ الاقتصادي” لحكومة الرئيس حسان دياب، وقبلهما مع ورقة الرئيس سعد الحريري. هذا من الناحية الشكلية، أما في المضمون فإن تسويق الخطة على أساس أنها معدة وفقاً لمتطلبات صندوق النقد، فهو غير دقيق لأن “الخطة عكست الأولويات”، بحسب استاذة القانون سابين الكيك، فـ”الصندوق حين يشدد في الاتفاق الموقع على مستوى الموظفين على إجراء التدقيق المالي في مصرف لبنان والمحاسبي في المصارف، فهو يقول إنه غير معترف بالارقام التي بنيت الخطة على أساسها. فكل المعطيات تؤكد أن أرقام الخسائر أكبر من ذلك بكثير، ولا يعود إخفاؤها لرغبة في التنصل من الخسائر ورميها على المواطنين فقط، إنما لحجب حجم الفضائح الموجود وتحديداً في القطاع المصرفي.
ومع هذا فإن خطة التعافي الاقتصادي المقرّة، لم تخالف المسوّدات المسرّبة. ليلرة، وشطب 60 مليار دولار من ديون المركزي على حساب المودعين والمصارف، وتذويب الحقوق باعتماد أسعار صرف متعددة. ففي حين تقضي الخطة باعتماد سعر صرف واحد على أساس “صيرفة”، تقر بأن الودائع التي تتخطى الحد الأدنى المستفيد من الحماية (100 ألف دولار) ستتحول إلى الليرة باسعار صرف ليست تبعاً لسعر صرف السوق. وقد عكس سعر لولار المصارف ذلك منخفضاً إلى 13 سنتاً للدولار. بمعنى أن قيمة 100 ألف دولار لم تعد تتجاوز 13 ألف دولار.
أما لجهة الاجراءات المالية والاقتصادية والاجتماعية، فتكرر الخطة المكرَّر بإصلاحات بديهية “انبرت الألسنة” بالمطالبة بها ولم تطبق. ومنها على سبيل الذكر لا الحصر تخفيض الهدر في الكهرباء من 40 إلى 20 في المئة في غضون العام 2026. واللجوء إلى ضرائب ورسوم باهظة لتمويل عجز الموازنة وتخفيضه إلى 4 في المئة من الناتج المحلي. وبالتزامن مع إقرار الخطة التي تطلب وقف العمل بالسلفات، كانت الحكومة توقّع على العديد منها بمليارات الليرات. ما يظهر أن الخطة “مجرد إنشاء”، تشبه مقدمات “ذهبنا ذات يوم صيفي مشمس”… وما زاد من إنكارها الواقع، تنصل الثنائي الشيعي منها.