الناس إلى البراري… من دون “المشاوي”
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
خضات اقتصادية ارتدادية بالجملة تصيب المواطن هذه الايام، أحلاهما مرّ، من أزمة الرغيف الى أزمة الدولار والاتصالات ومن خلفها الانترنت وهلم جرّا من شلة الغلاء الكبرى. غير أنه يقابلها بابتسامة وكوب قهوة، ضارباً عرض الحائط بكل مفاعيلها القاسية على حياته، فهمّه الأوحد كيف يعيش. كثر لم يتخلوا عن عاداتهم الاسبوعية، رغم كل الانهيارات المعيشية، مع تعديل بسيط في المستلزمات الضرورية للنزهة، تخلّوا عن حفلة المشاوي وملحقاتها، لكنهم لم يتخلّوا عن النرجيلة وكوب القهوة، فهي متنفسهم الوحيد في الحياة وهي التي تمدّهم بجرعة دعم لأسبوع حافل بالازمات وهزات الاقتصاد الارضية.
صحيح ان عادة شراء اللحوم للشواء تراجعت بنسبة 80 في المئة، على حد ما يقوله اللحام محمد حرب واقتصارها على أصحاب رأس المال، بينما الأكثرية تشتري اللحم بالوقية، غير ان ما لم يتراجع هو «ضهرات» الناس للبراري والأنهر والبحار، وإن بنسب أقل من المعتاد، «فالناس بدّا اوكسيجين» يقول محمد، «لتتمكن من الصمود أمام ما يواجهه المواطن هذه الايام».
في حديقة سهل الميدنة في كفررمان تجلس سلمى مع بناتها يرتشفن القهوة ويدخنّ النرجيلة، اخترن مكاناً قريباً لسكنهنّ لتوفير للبنزين الذي عطّل كل مشاريعهنّ المعتادة، فهو يحتاج ميزانية مرتفعة، ناهيك عن أن الاسعار نار، ففضّلن القهوة على ما عداها تقول سلمى مردّدة «بدنا نعيش ما بيسوى نضلّنا حاطّين الحزن بالجرن».
تدخِّن نرجيلتها، وكأنها تنفث كل معاناتها اليومية، ترفض أن تنزوي في زاوية الازمات او تستسلم لكل المآسي، ما يهمّها هو أن تفرح ولو لوقت قصير، وعلى ما تقول «خنقونا كثيراً، يريدون تدميرنا وتحطيمنا، ولكننا لن نستسلم».
اختار كثر من الناس الابتعاد عن أزماتهم اليومية ولو ليوم واحد، خرجوا الى البراري والحدائق العامة، قرّروا مواجهة كل شيء ولو بجلسة «عالماشي». تخلت فاطمة عن رحلاتها الاسبوعية مع رفاقها، فالازمة الراهنة لا تسمح بالإسراف، «قررنا الاقتصاد قدر المستطاع» تقول، وهي ترتشف كوب قهوتها المرّة وتردد «اقتصرت جلساتنا على القهوة والنرجيلة، لكن الاهم الجلسة بعيداً من جدران المنزل». تدرك فاطمة صعوبة الوضع، تتأمل ابنها وهو يلهو فـ»من حقه أن يلعب ويلهو ويفرح، شو ذنبو من كل ما نعانيه»؟ ما تريده «راحة نفسية» تبحث عن الطمأنينة والسكون في الطبيعة، لأنه «شبعنا خطابات وازمات وغيرها، نريد أن نتنفس لنواجه».
يبدو أن كل واحد اختار منحى مختلفاً لعطلته، فمنهم من قرر الخروج للطبيعة ومنهم من قرر مزاولة العمل لان اللقمة صعبة، فأبو حسين يمضي نهار الاحد مع منجيرته، يعزف ويرندح العتابا، باتت مهنته منذ توقف عصر السرفيس، فهي عطلته كما يقول، واكثر «تبدلت الظروف رأساً على عقب، وباتت الرحلات الاسبوعية حكراً على فئة من الناس، البال مش فاضي»، يؤكد ابو حسن ان «منجيرته باتت صديقته في زمن الازمات، يدوزنها حسب مزاجه، يرندح همومه كي يتمكن من مواجهتها، اختارها بديلاً من الحزن والعتب، وان كان ما يريده هو ضمان اقتصادي واجتماعي، وكما يقول «زمان الدولار بـ1500 ليرة كنا نعيش بسلام، اليوم نضرب أسداساً بأخماس اذا قررنا ان نقوم بجولة صغيرة فالبنزين هدّنا».
رغم كل المآسي والمناكفات السياسية، ما زال هناك باب للترويح عن النفس عند مواطن قرر عدم الرضوخ لما يحيطه من ازمات وانفجارات اقتصادية مرتقبة، دخّن نرجيلته، ارتشف كوب قهوته، التقط «السيلفي»، فما يعنيه هو ان يبتسم ولو لبضع ساعات قبل أن يغرق مجدداً في وحول الازمات التي لن تنتهي، بل ستزيد تباعاً.