إبادة مالية جماعية بانتظار اللبنانيين… إلا إذا
كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
كل الطرق تقود إلى حتمية اقتطاع جزء أكبر من الودائع (BAIL IN) عند بلورة خطة إعادة هيكلة الدين العام، وتحميل المودعين العبء الأساسي لاستيعاب الخسائر. فمع شطب الدولة المنتظر لدينها بالعملتين المحلية والأجنبية، سيتحتم على المصارف إجراء “هيركات”، وتحويل الودائع إلى أسهم. الفرق الوحيد أن العملية ستصبح رسمية، بعدما مارستها المصارف طوال الفترة الماضية إعتباطياً.
على الرغم من إعلان لبنان تخلفه عن سداد الديون في نيسان 2020، إلا أن “المركزي ظل يسدد ديون الحكومة بالعملة المحلية عن طريق طباعة النقود”، بحسب تقرير Doom Loop “حلقة الموت” الذي أعدته وكالة “ستاندرد آند بورز”. ما سيحتم في المستقبل “تضمين أي برنامج لاعادة الهيلكة، الدين الحكومي بالعملة المحلية. ذلك أن إعادة هيكلة الديون بالعملات الأجنبية وحدها لن تؤمن الإستقرار المالي، لكونها لا تشكل سوى 38 في المئة من إجمالي الدين السيادي في نهاية عام 2020. وحتى مع شطب جميع سندات “اليوروبوندز” والديون الرسمية، ستبقى ديون الحكومة تقدر بـ107 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي”.
بين السيئ والأسوأ
تحتفظ البنوك (47 مصرفاً تجارياً) بحوالى 60 في المئة من أصولها على شكل ودائع في مصرف لبنان وشهادات إيداع، و11 في المئة على شكل أذونات خزانة و”يوروبوندز”. وهي تستحوذ على 26 في المئة من الدين الحكومي بشكل مباشر، فيما يستحوذ مصرف لبنان على حوالى 44 في المئة، لغاية نهاية عام 2020. ومن أجل تقدير التكاليف المحتملة لاعادة هيكلة الدين العام، وضعت “ستاندرد آند بورز” ثلاثة سيناريوات للخسائر في سندات “اليوروبوندز” الحكومية، والدين الحكومي بالعملة المحلية، وودائع مصرف لبنان، شهادات الإيداع CDs، فضلاً عن قروض القطاع الخاص.
السيناريو الأول: شطب 50 في المئة من ديون الحكومة اللبنانية بالعملة الأجنبية والمحلية، وشطب 10 في المئة من إيداعات مصرف لبنان، وتحديد نسبة خسائر إقراض القطاع بـ5 في المئة.
السيناريو الثاني: خصم 75 في المئة على سندات اليوروبوندز، و 60 في المئة على الدين بالعملة المحلية، و 50 في المئة على إيداعات مصرف لبنان، و 15 في المئة على إقراض القطاع الخاص.
السيناريو 3: تخفيض 90 في المئة على سندات اليوروبوندز، و70 في المئة على الدين بالعملة المحلية وإيداعات مصرف لبنان.
الكلفة تتدحرج مثل كرة الثلج
ما يمكن إستنتاجه من تقرير “الوكالة”، بحسب المدير التنفيذي السابق في بنوك وصناديق مالية عالمية صائب الزين، أن “الكلفة على المودع والمواطن والإقتصاد، ترتفع مع كل يوم تأخير في إيجاد الحل النهائي من قبل الجهات المعنية الأربع التي حددتها الوكالة، أي: الحكومة، البرلمان، مصرف لبنان، وجمعية المصارف. وهذا ما حذرنا منه منذ بداية العام الماضي”. وبرأي الزين فان “الكلفة الباهظة التي حددتها الوكالة في السيناريو (رقم 3) بـ102 مليار دولار، تشكل 134 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، قد تصبح غداً أكبر. والمشكلة بالكلفة لا تنحصر في حجمها الهائل فحسب، بل بكيفية توزيعها”. ففي الوقت الذي حيدت فيه خطة الإنقاذ 98 في المئة من المودعين عن خطر الإقتطاع من ودائعهم، نرى اليوم أن نسبة “الهيركات” على صغار المودعين، كما على الكبار، بلغت 78 في المئة. وفي ظل استنزاف العملات الأجنبية وانعدام التدفقات الخارجية واستمرار طباعة الليرة اللبنانية لتمويل الدين والعمليات الداخلية، فان الكلفة سترتفع أكثر على المودعين والمواطنين، نتيجة التضخم واستمرار انهيار الليرة أمام الدولار. والمفارقة أن السيناريوات الموضوعة من قبل الوكالة هي على أساس سعر الصرف الرسمي، فيما لو تم احتساب سعر الصرف على 10 آلاف ليرة فان الخسائر سترتفع بين 2 و3 مرات.
ما يميز الأزمة اللبنانية عن بقية الأزمات في الدول والأسواق الناشئة هو تركها تتدحرج مثل كرة الثلج. إذ إنه كلما كبرت “الكرة” كلما انخفضت الديون على القطاع المصرفي وارتفعت على المودعين. وبحسب دراسة الوكالة لـ17 سوقا ناشئاً عانى من حالات التخلف عن السداد السيادية بين عامي 1999 و2010، يتبين أن متوسط نسبة اقتطاع الديون الحكومية بلغت 42 في المئة فقط. فيما هذه النسبة قد تصل في لبنان إلى 90 في المئة، مع ما ستحمله هذه العملية بحق المودعين والمواطنين من “إبادة مالية جماعية”، كما يصفها الزين. فـ”الأزمة النقدية والمالية في لبنان ليست بتعجيزية. وهي مرت على غير دول واستطاعت معالجتها من خلال إجراءات أصبحت معروفة. إلا أن فقدان التعاون بين الجهات المعنية وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، دفعا كل جهة لـ”تغني على ليلاها” ولتعميق الأزمة، وإلى تحميل المواطنين الكلفة الباهظة لانهيار الليرة والتضخم”.
ألف باء الحلول
الدراسة لوكالة “ستاندرد أند بورز” تفترض شطب حقوق المساهمين في المستقبل، حيث من المرجح أن يخسر المساهمون معظم استثماراتهم في مختلف السيناريوات. كما لا بد من اقتطاع جزء من الودائع عبر Bail in، وطلب المساعدة الخارجية من صندوق النقد، وفصل البنوك الجيدة عن الرديئة، وتصغير حجم القطاع المصرفي وزيادة فعاليته عبر إجراءات الدمج والإستحواذ. إلا أنه مرة جديدة فان “التأخير في اعتماد هذه الحلول البديهية في مواجهة الأزمات النقدية، رفعت كلفة الإقتطاع من الودائع من حدود 20 في المئة قبل منتصف العام الماضي إلى أكثرر من 40 أو حتى 50 في المئة اليوم”، يقول الزين، “كما أن القيمة الفعلية للسندات بالعملات الأجنبية Eurobonds قد تراجعت اليوم إلى ما بين 12.5 و15 سنتاً للدولار. ما يعني حتمية Haircut عليها بنسبة تتراوح بين 85 و87.5 في المئة. فيما سيؤدي تمويل الدين الداخلي من طباعة الليرة إلى زيادة نسبة التضخم، وبالتالي زيادة الخسائر على المواطنين. عدا عن أن هذا الإجراء يبقى رهن الإتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يفضل عدم التفرقة في المعاملة بين الديون الداخلية والخارجية، والتوصل إلى اتفاق مع المقرضين الدوليين”.
ما تطرحه S&P مع ما يحمله من اقتطاعات كبيرة يصح لمعالجة الواقع اليوم. أما غداً فان الكلفة ستكون أكبر وقد نذهب إلى ما بعد السيناريو (رقم 3)، يقول الزين، و”لو قُبلت التعديلات على خطة الإنقاذ وتم السير بها، لما تجاوز “الهيركات” الـ20 في المئة فيما سيكون أعلى بكثير عند بدء تطبيق أي خطة لاعادة الهيكلة. فالدولار في السوق الموازية كان في أيار العام 2020 حوالى 4450 ليرة ما يعني أن نسبة الإقتطاع من الودائع عند السحب كانت 29 في المئة، وكلفة التضخم على الرواتب بالليرة كانت حوالى 150 في المئة. أما اليوم ومع دولار 13 الف ليرة فقد أصبحت 86 في المئة على المودعين، وأكثر من 400 في المئة على عموم المواطنين”.
في الوقت الذي يُتوقع فيه استمرار الإقتطاع بنسب كبيرة من الودائع عند تبلور أي خطة إقتصادية، فان الإقتصاد يتحول إلى نقدي والبنوك إلى صرافات آلية. ولكن أهمية هذه الدراسة هي إثباتها إمكانية المعالجة في حال تشكيل حكومة قادرة، واتخاذ القرارات المناسبة وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة لاصحاب القرار الذين حددتهم “الوكالة” بوضوح
Mtv.