العتمة الموعودة 24/ 24 أو أموال المودعين.. البرلمان على موعد مع جلسة صاخبة الثلاثاء
من قصر بعبدا أعلن وزير الطاقة ريمون غجر عن معادلة قديمة متجدّدة، إمّا سلفة ماليّة بقيمة 1500 مليار ليرة لاستيراد الفيول أو العتمة الشاملة. حاول التيار الوطني الحر أن يضغط لتمرير اقتراح قانون تقدّم به نوابه “لإعطاء سلفة ماليّة لشراء الفيول”، لكن الرئيس نبيه بري رفض الخط العسكري للإقتراح وإحاله إلى اللجان المشتركة الثلاثاء المقبل. غجر لم يبتكر أي جديد، فقط نظر إلى دفاتر أسلافه واستنسخ النهج نفسه، وقد أعانته في ذلك الوزيرة السابقة ندى البستاني، التي رافقته إلى اجتماع بعبدا كما لو أنّها لا زالت تمارس مهامها الوزارية، ولا تنفك تطلق تغريدات حول ملف الكهرباء أكثر من الوزير نفسه.
ملف الكهرباء الذائع الصيت يتصدّر سجّل الفساد في لبنان، ليس بنظر الموفدين الدوليين فحسب، وهم الذين اشترطوا الإصلاح في الكهرباء أولًا، بل بلغة الأرقام التي تتحدث عن 43 مليار دولار مستوى العجز في مؤسسة الكهرباء، ما يعادل حوالي نصف قيمة الدين العام. لكن اليوم الوضع اختلف كليّا، والمبلغ السنوي الذي كانت تحصل عليه وزارة الطاقة بات يساوي رقمًا خياليًّا مع ارتفاع سعر الصرف، كما أنّ مصرف لبنان بالدولارات المتبقّية في محفظته بالكاد يدعم الدواء والمحروقات والطحين، مِن أين سيؤمَّن المبلغ المطلوب للكهرباء؟
الجواب لدى مصرف لبنان، يُفترض أن يعلنه في جلسة اللجان. ولكن ماذا عن مواقف الكتل النيابية؟ هل ستخضع للإبتزاز؟ وما البديل في حال رفضت الكتل الموافقة على السلفة؟ هل سيغرق لبنان بالعتمة الشاملة نهاية آذار الحالي؟
“كتلة الوسط المستقل” كانت لها مواقف سابقة من ملف الكهرباء، أبرزها وجوب البدء بإصلاح حقيقي في الملف وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع.
النائب نقولا نحاس في حديث لـ “لبنان 24″ قال ” كنّا نفضل أن يرد الطلب في سياق مشروع قانون وليس اقتراح قانون، فالمجلس النيابي يلعب دوره ودور الحكومة في آن معًا، الأمر الذي من شأنه أن يعطّل العمل الديمقراطي، لكن نظرّا لخطورة الموضوع سوف نشارك في اللجان النيابية المشتركة ونعطي رأينا في طلب السلفة”.
وردًّا على سؤال عن موقفهم من السلفة المطلوبة لمدة سنة كاملة أوضح نحّاس “كلّ سلفة تُعطى يجب أن تكون استثنائية مع التشديد على إعادتها من قبل مؤسسة كهرباء لبنان أو غيرها، وسنوازن بين وجوب الإستمرار بالتغذية بالتيار الكهربائي والضغط اللازم لتأليف حكومة بأسرع وقت ممكن، وعدم منح السلفة المطلوبة بكامل المبلغ قبل تأليف حكومة”.
“السؤال الأساسي لماذا وصلنا إلى هنا؟ ولماذا هذه الوقاحة المتمادية بتهديد المجلس النيابي بالموافقة على السلفة أو العتمة، بعد 12 سنة من تناوب هذا التيار الوطني الحر على وزارة الطاقة، أداء هذا الفريق أوصل لبنان إلى مكان لا حلول فيه قال النائب ياسين جابر في حديث لـ “لبنان 24”. موضحًا أنّ الإقتراح بحاجة إلى نقاش ولا يمكن تمريره بصيغة معجل مكرر “فهل سيحلّ المبلغ مشكلة الكهرباء؟ 1500 مليار ليرة تساوي اليوم 140 مليون دولار، بينما المطلوب هو مليار دولار، علما أنّ هناك مشكلة قائمة بين مؤسسة الكهرباء ومصرف لبنان على مبلغ أقل بكثير متعلق بالشركة المعنية بالصيانة”.
لا يوافق جابر على إعطاء السلفة لعام كامل ” في حال أعطيت السلفة كاملة نكون قد قلنا لهم نراكم العام المقبل، قد لا يعيد المجلس الخطأ الذي كان يحصل، ومن الممكن أن تُعطى السلفة لشهر أو شهرين، وليشكّلوا حكومة بدلًا من تعطيلها. على مدى سنوات عديدة منحناهم الموافقة على سلف مشروطة بالإصلاحات، أبرزها الهيئة الناظمة والقانون 462، لم ينفّذوا شيئًا من تعهداتهم، وإذا أخضعناهم للمساءلة حوّروا الموضوع إلى طائفي وقالوا يتعدون على حقوق المسيحيين”.
جابر لفت إلى أنّ وزير الطاقة قبل استقالة الحكومة كان قد استقدم شركتين إلى لجنة الأشغال، قدمت كل منهما عروضات، وابدتا الإستعداد لبناء المحطات وتأمين الغاز لتشغيلها، وبيع الكهرباء بين 7 و8 سنت لمؤسسة كهرباء لبنان، فلنرى ما بجعبة الوزير، وما إذا كان مصرف لبنان قادرا على تأمين الأموال.”
عضو كتلة الجمهورية القوية النائب فادي سعد، تحدث لـ “لبنان 24” عن السلفة والعتمة معًا “أي أنّ السلفة لا تعني أن لا عتمة. في المرة الأخيرة التي وافقنا فيها على السلفة اشترطنا تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان وتعيين الهيئة الناظمة، خلال ثلاثة أشهر، وقد مرّ على ذلك سنة وثلاثة أشهر، من دون أي تعيينات”. سعد لفت إلى أنّ 30% من قيمة السلفة ستصل للناس بأحسن الأحوال نتيجة الهدر في الشبكة والتحصيل غير الكافي. من جهة ثانية الأموال ستعطى من الودائع “وهكذا تأخذ الدولة مرة جديدة أموال المودعين وتوزّعها على المواطنين بصورة غير عادلة، بحيث تستفيد الفئات الإجتماعية من الدعم بالنسبة نفسها، كما أنّ هذه السلفة ستنعكس سلبًا على سعر الصرف”.
عن البديل قال سعد “هيئة ناظمة والعمل على استدراج عروض لبناء معامل، إذ لا يمكن أن نبقى إلى ما لا نهاية على المولدات والبواخر، ولا يجوز لفريق يهدّدنا رئيسه بجهنّم ووزرائه بالعتمة أن يبتز الخزينة، بعدما تمّ إنفاق 40 مليون دولار على الكهرباء، لن نوافق على هذه المعادلة، بالفعل صار الوقت ليبادر رئيس الجمهورية لموقف تاريخي ويستقيل، لنذهب إلى انتخابات نيابية مبكرة تعيد إنتاج السلطة”.
أضاف سعد “نسمع أنّ الرئيس لديه خطة إصلاحية سيستكملها، يعطيه ألف عافية على هذه الخطة، ما ظهر منها إلى اليوم كارثي فكيف إذا استكملها، عندها جهنّم لن يكون التوصيف الدقيق للمكان الذي سيصل إليه البلد”.
عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن، لفت إلى أنّ الموضوع هو مسؤولية وطنيّة ولا يندرج في إطار صراع سياسي، والمعادلة التي يطرحونها السلفة أم العتمة هي ابتزاز لا يمشي معنا. كنا نوافق على سلف الكهرباء سابقًا على مضض ونشترط تنفيذ خطة إصلاح القطاع، ولكن هذا الفريق أثبت أن لا نية لديه بالإصلاح، اليوم يطلبون سلفة من دون أفق للإصلاح، من أين سنأتي بالأموال من الودائع؟ من فوضنا بأن نعطي أموال الناس لسلفة تذهب هدرًا نتيجة سياساتهم الخاطئة؟ لسنا على يقين أنّ السلفة المطلوبة ستقدّم حلّا للكهرباء، لذا لدينا موقف وسنعبّر عنه في الجلسة”.
بالخلاصة وزير الطاقة يقدّم إلى اللبنانيين خيارين أحلاهما مرّ، العتمة أو ما تبقى من أموال المودعين. فلتحوّل الأموال إلى شركة كهرباء لبنان ككل عام، لما لا؟ ما الذي تغيّر؟ أيكون غجر مختلفًا عن أسلافه؟ حتمًا لا!