عن النظام المعطوب وشريعة الغاب
عندما يصاب النظام بالعطب، فإن الخلل يتدرج ليبلغ الرعايا.
في لبنان أصابت العطوب النظام السياسي إلى الحد الذي صرنا نرى ما يؤكد فقدانه لقوته وسلطته.
إذ عوضاً عن تبدد الثقة بـ”الدولة”، صار البحث عن بديل لها هو شغل الناس.
منذ الإنتفاضة الشعبية أواخر العام الماضي كان صوت الشارع والناس صريحاً. فقدت الدولة مقومات وجودها ولا بد للبنانيين من أخرى جديدة تلبي طموحاتهم وحاجاتهم. والدولة هنا هي نفسها رديف السلطة، حيث باتت تختصر منذ اتفاق الطائف بوجوه محددة، وأصبح الحل باستبدال كل الطاقم القديم.
لكن في بلد تتحكم الطوائف بأمنه الإجتماعي بالقدر نفسه الذي تسيطر فيه على مقدراته، اختارت المواجهة مع الناس بأقوى أسلحتها. خروج المنتفضين عن الطائفة التي تشكل حاجزاً منيعاً لكل من يحتمي بها.
هكذا وجد معظم اللبنانيين أنفسهم وقد عادوا قسراً إلى طوائفهم طلباً للحماية الشخصية، وكذلك بحثاً عن مكرمات مالية وصحية وغذائية.
وبات الطموح في الوصول إلى صيغة حكم وسياسة إجتماعية وإقتصادية جديدة، لا يتعدى الطمع بحصص غذائية مجانية أو بفحوص وحسومات على فواتير الإستشفاء.
لكن المفلسين لا يورثون الا الإفلاس، إذ تبين بعد سنة على الإنتفاضة أن جملة التقديمات الإجتماعية لا تتوافر للجميع ولا يمكن لها أن تكون سياسة تمنع الإنفجار.
فالإنهيار أكبر من قدرة الزعامات على احتوائه، وما يتم تقديمه على سبيل التخفيف من حدة الأزمة الإجتماعية يدخل هو الآخر في باب المحسوبيات والفساد اللبناني الأصيل.
اليوم، بتنا أمام واقع جديد يفرض نفسه من دون أي حلول، طالما أننا قررنا الرضوح لمداواة الجرح بالمسكنات لا الكيّ. وهو يخرج لنا كل يوم إشارات واضحة عن انهيار الأمن الإجتماعي، إذ نطالع يوماً بعد آخر اتساع رقعة الجرائم والسرقات والأمن الذاتي، وآخرها الإشتباكات العشائرية في محافظة الهرمل، وقبلها بين مالكي مولدات كهربائية “اشتراك” في الضاحية ممن يفرضون على الناس ما يريدونه من رسوم، وصولا إلى السرقات على أنواعها والجرائم المرتبطة باحتقان وغضب وضغط نفسي.
كل هذا يحصل في إجراء طبيعي لفقدان الناس الثقة بالسلطة التي يفترض فيها أن تحتكر العنف وممارسته لتطبيق النظام، لكن غيابها ترك أمر العنف والأمن إلى الأشخاص ليتدبروا أمور حياتهم ويحصلوا حقوقهم بأيديهم.
ما سبق يفترض ان يقدم لنا صورة بانورامية عن واقع الحال وملامح المستقبل الآتي، لربما نتدارك كوارثه قبل وقوعها. والا فإننا سنعيش فعلاً في غابة مليئة بالوحوش البشرية، لا نعرف فيها الصالح من الطالح، ولا السارق من المضطر لإطعام صغاره.
سنعيش في حلبة مسيجة لا يخرح منها الا من يسفك الدماء أكثر من غيره، ومن يلقي الرعب في نفوس سواه قبل نفسه.
أما أخطر هؤلاء فأولئك الذين لم تعد تعنيهم الحياة شيئاً.
المصدر: لبنان 24