المحروقات بالدولار
كتب زياد شبيب في “النهار”:
منذ توقّف الدعم تسجّل أسعار المشتقات النفطية أرقاماً قياسية كل صباح، لا تلبث تحطّمها بنفسها خلال النهار. ولمواكبة التصاعد المستمرّ المرتبط بتصاعد سعر صرف الليرة مقابل الدولار عمدت وزارة الطاقة إلى إصدار جدول تركيب أسعار المشتقات مرتين في اليوم بالليرة بدلاً من إصداره بالدولار عندما تتبدّل الأسعار العالمية.
واضح أن هذا التدبير ليس حلّاً، لعجزه عن مواكبة قفزات سعر الصرف التي تُسبّب توقّف توزيع المواد وبيعها بانتظار رفع السعر مجدداً ليواكب ارتفاع الدولار. هي إذاً حلقة من حلقات مفرغة كثيرة يدور فيها المعنيون بإدارة أزماتنا المتكاثرة.
وزير الطاقة قال أن الجداول لن تصدر بالدولار كي لا يخالف القانون، وأشار إلى المادة 5 من قانون حماية المستهلك التي تنص على أنه “يتوجب على المحترف الاعلان عن الثمن بالليرة اللبنانية بشكل ظاهر بلصقه أما على السلعة أو على الرف المعروضة عليه”.
أولاً، إن وزارة النفط غير معنية بالموجب الذي تفرضه هذه المادة، بل”المحترف” الذي يبيع المشتقات، وهو محطات المحروقات. وثانياً، أن غاية المادة هي الإعلان عن الثمن بالليرة اللبنانية بشكل ظاهر…، وهذا لا يعني بتاتاً أن الإعلان عن الثمن بعملة أخرى، إلى جانب الليرة اللبنانية، ممنوع.
إن فهم القانون وتطبيقه لا يكون إلا في ضوء مبادئه العامة ومنها في هذا الإطار مبدأ حرية التجارة الذي يعني أن الأصل في التعامل هو الحريّة. ولا يجوز أن تقوم السلطة الإدارية بتقييد حرية التبادل التجاري ولا سيما في شقها المتعلق بتحديد السعر أو الثمن تحت طائلة الإبطال إلا في الأحوال التي يكون المشترع قد لحظ هذه الإمكانية صراحةً لسببٍ متصل بالصالح العام. وقد قُضيَ أنه:
“لا يستطيع الوزير فرض أعباء أو قيود جديدة على الحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، ومنها حرية التجارة والصناعة وحق الملكية. وإن كل تقييد لممارسة هذا النشاط لا يمكن أن ينتج الا عن المشترع، المرجع الصالح الوحيد لتنظيم الضمانات الأساسية الممنوحة للمواطنين لممارسة تلك الحريات العامة وتحديد المبادىء الأساسية لنظام الملكية الفردية. (قرار مجلس القضايا رقم 49 تاريخ 21/21/1992).
إن القانون (المادة 27 من المرسوم رقم 6821/1973) لم يعطِ المديرية العامة للنفط صلاحية تحديد أسعار النفط الموزع في السوق إلا في الحال التي تكون فيها تلك المديرية العامة هي المستورد والمكرّر والموزع، أما عندما يقوم القطاع الخاص بهذه الأعمال فلا يخضع للفقرة (1) من المادة 27 التي تتحدث عن تحديد السعر، بل تخضع للفقرة (2) منها والتي تفرض عليها رقابة المديرية العامة للنفط وحسب ولا تأتي على ذكر تحديد الأسعار، الذي يبقى خاضعاً لمبدأ حرية التجارة المكرّس دستورياً وعلماً واجتهاداً، والذي لا يجوز الانتقاص منه بموجب قرارات إدارية بل بموجب نصوص تشريعية حصراً.
القانون أعطى المديرية العامة للنفط صلاحيّة تحديد أسعار المشتقات النفطية عندما كانت هي التاجر الوحيد الذي يتولى القطاع، وكانت تستورد وتوزّع المحروقات، ولكنها استمرت بتحديد الأسعار لاحقاً حتى بعد عندما دخول القطاع الخاص وقيامه بالاستيراد والتوزيع.
أخيراً إنه ومع التسليم بأن العملة اللبنانية هي دائماً عملة الإيفاء الإلزامية ولا يمكن رفض التعامل بها، ولا يمكن للبائع أن يرفض الإيفاء بها، غير أنه ليس هنالك ما يمنع طرفي العقد من الإيفاء بغيرها رضاءاً. وأن التسليم بكون عملة الإيفاء هي الليرة اللبنانية لا أثر له على تحديد الثمن أو سعر السلع والخدمات بالاستناد إلى معيار لهذا التحديد يكون من عناصره سعر صرف الدولار.