علامات “خرافيّة” في الامتحانات الرسمية!
كتب فؤاد بزّي في “الأخبار”:
استقبل عدد كبير من أساتذة التعليم الثانوي بدهشة واستغراب نتائج الامتحانات الرسمية للعام الدراسي الحالي 2021- 2022. العلامات «خرافية» وفق تعبيرهم. يفتح أحدهم دفتره ليؤكّد ملاحظته، ويشير إلى اسم تلميذ لم يكن معدّل علاماته في الكيمياء يتجاوز الـ4 من 20، فيما حصل في الامتحان الرسمي على 17 من 20. يجزم أستاذ آخر بأنّ من حصل على درجة جيّد في امتحانات هذه السّنة لم يكن ليصل إلى معدّل الـ12من 20 في دورات الأعوام السّابقة. ويتساءل بقية الزملاء عن حقيقة تعبير هذه العلامات عن المستوى العلمي لأصحابها. هم لا يريدون توهين مشاعر تلامذتهم أو التخفيف من فرحتهم، فلم يتوجّهوا صوب وسائل التواصل للتعبير عن حنقهم. فضّلوا، كالعادة، الغرف والمجموعات المغلقة ليدقوا جرس إنذار ويقولوا لوزارتهم: «الإنجاز ليس في أصل إجراء الامتحانات بل في المحافظة على مستوى الشهادة».
انقلاب المعايير تؤكّده تقارير المركز التربوي. نسبة النجاح في فرع الاقتصاد والاجتماع لدورة العام الحالي على سبيل المثال وصلت إلى 90%. هذه النسبة المتورّمة تنسحب على بقية الفروع، كما أنّ حسابها تمّ على أساس العدد الكلّي للمرشحين لا المشاركين فعلياً، ولو احتُسبت من دون أخذ عدد التلاميذ المتغيّبين في الحسبان لارتفعت أكثر. أما «المصيبة الكبرى»، بحسب أحد الأساتذة، فهي «توزيع درجات التقدير على الجميع». نسبة الذين حصلوا على درجة (جيّد وجيّد جداً) أكبر من نسبة الناجحين دونها في الامتحانات الرسمية الأخيرة، إذ تخطّت الـ70% بحسب لوائح النتائج التي نشرتها الوزارة، بعد تعذّر الحصول على العلامات التفصيلية. أما في الأعوام السابقة لدورة 2019 فكان الحصول على درجة في الامتحانات يُعدّ أمراً صعباً، فيما يدفع عدم تحصيلها اليوم إلى القول إنّ التلميذ لم يدرس بالشكل الكافي.
في محاولة استطلاع لآراء الأساتذة المشاركين في وضع الامتحانات الرسمية وأسس التصحيح، فوجئنا بعدم تجاوب عدد منهم، وكأنّ الأمر سرّ من أسرار الأمن القومي، ما دفعنا للبحث أكثر في الأسباب خصوصاً أن الأمر موازٍ فعلاً للأمن القومي، فضرب الشهادة اللبنانية بهذا الشكل سيؤدي إلى تخريج أجيال تنتظر النجاح في كلّ ميادين الحياة بالسّهولة نفسها. تيسير النجاح كان فاقعاً، وعلامات المواد الأدبية خير دليل، فقد نالت تلميذة في صف علوم الحياة 29 من 30 في مادة الفلسفة! هذه العلامات تدفع لطرح الكثير من الأسئلة حول طريقة التصحيح وتوزيع العلامة، علماً أنّ علامات المواد الأدبية سابقاً لم تكن تتخطّى سقف الـ17 من 20، هذا في حال كان التلميذ مبدعاً. وهنا تؤكّد أستاذة أدب فرنسي توجيهات وزارة التربية لتسهيل الامتحانات وأسس التصحيح بغية تمرير الامتحانات بهدوء.
لا يكلّ الأساتذة من التعبير عن خوفهم مما جرى. يرون أنّ «هذه سوابق» قابلة للتكرار في الآتي من الأعوام الدراسية. على مستوى المراقبة، التساهل سيّد الموقف، إذ يفيد أحد المراقبين العامين أنّ «رئيسة المركز جمعتهم قبل انطلاق الامتحانات وطلبت منهم غضّ الطرف». أما التبرير فكان «عدم استعداد التلاميذ بعد سنتين من الإقفالات المتكرّرة». ويضيف أنّها «طلبت من الأساتذة اعتبار التلامذة كأبنائهم». الأمر ذاته يكرّره هذه المرّة رئيس أحد المراكز، «أحتاج إلى مراقب على المراقب، فبعضهم يتصرّف في الصف كأنّه لا يرى ولا يسمع ماذا يجري»، ويختم بالـ»الترحّم على أيام (الوزير أكرم) شهيّب» الذي وضع كاميرات في الصفوف للتخفيف من الغش أو إيقافه. هنا يمكن مقارنة نسب النجاح وملاحظة انخفاضها عام 2019، عام تركيب الكاميرات في الصفوف.
أما مستوى المسابقات، فيُجمع الأساتذة على «المتوسط رغم الإلغاءات». المناهج التي ناهز عمرها ربع القرن لم تعد تساعد على إيجاد أسئلة جديدة، ولكنّ أسس التصحيح كانت متهاونة إلى «أقصى الدرجات» بحسب أستاذ مشارك في تصحيح مادة الكيمياء. «لجنة هذه المادة من الأشدّ» يفيد، ولكنّهم قرّروا توزيع العلامات على «كلّ نقطة حبر في المسابقة». ويضيف: «سابقاً لم نكن نعطي علامة على الإجابة من دون رؤية طريقة الحلّ، أما اليوم فكان الوضع مغايراً، ووضعنا أجزاء من العلامات على إجابات من دون حلول». كما أنّ «العلامة قُسّمت أجزاء على كلّ التفاصيل، فكان من المستحيل أن لا يحصل التلميذ على جزء منها». أخيراً، يبقى ذكر المواد الاختيارية التي خفّفت الضغط عن التلاميذ، فصبّوا كلّ تركيزهم الدراسي على المواد الأساسية، وتوجّهت خياراتهم نحو المواد التي تعطي علامات على مستوى الحفظ مثل التاريخ. وأُهملت المواد التحليلية كالجغرافيا والفلسفة.
هي سلّة متكاملة إذاً أدّت إلى هذا المشهد في نتائج الامتحانات الرسمية. علامات خادعة لا تعبر عن الواقع «هذا ضرب للشهادة الرسمية من بيت أهلها» يقول أحد أساتذة تعليم الفلسفة، ويضيف أنّنا لم يعد بإمكاننا القول بـ»تساوي خرّيجي البكالوريا اللبنانية بالمنهاج ذاته، من حصّل الشهادة خلال هذا العام لا يشبه أبداً من حصّلها ما قبل عام 2019».