لا تثقوا بمصرف لبنان.. اسحبوا دولاراتكم فوراً وأوقفوا التحويلات!
كتبت عزّة الحاج حسن في “المدن”:
رمى مصرف لبنان حق آلاف العائلات التي تعتاش من تحويلات ذويها من الخارج بين يدي المصارف واضعاً مصير أموالهم المحولة تحت رحمتها. فلا رادع لحاكم مصرف لبنان ومجلسه المركزي من تجاوز القوانين والدَوس عليها. ولا كابح لجشع المصارف وتسلطها على أموال اللبنانيين، مودعين ومغتربين وحتى موظفين.
ففي التعميم 159 (الصادر بتاريخ 17 آب 2021) يبيح مصرف لبنان للمصارف شراء العملات الأجنبية المحوّلة مباشرة من الخارج لزبلائنها على سعر السوق “وذلك حصراً لغايات استثمارية متوسطة وطويلة الأجل أو لتحسين نسب السيولة أو لتسديد التزامات في الخارج، على أن يتم تسجيل هذه العمليات على المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة”. وحسب ما جاء في التعميم، الغايات التي اشترطها مصرف لبنان على المصارف لا تعني الجمهور كما لا يعنيهم أن ترفع المصارف من سيولتها أو أن تسدد التزاماتها. كل هذه التقنيات لا تعنيهم. كل ما يعني مئات آلاف العائلات اللبنانية هو الحصول على التحويلات المالية الواردة من أبنائهم أو ذويهم في الخارج، والتي يعتاشون منها، ويواجهون بها وحش الغلاء وانهيار الليرة اللبنانية. أما أن يبيح مصرف لبنان للمصارف مصادرة تلك الدولارات الواردة من الخارج، فهو ما يثير الريبة، خصوصاً بعد مصادرة الودائع الدولارية واقتطاع أكثر من 90 في المئة من قيمتها.
استيلاء على الرمق الأخير
ينكر العديد من المصارف التي تواصلت معها “المدن” (والتي أصر المتحدثون عنها عدم ذكر أسمائهم لاعتبار ان الموقف غير رسمي)، نيتها مصادرة الدولارات الواردة من الخارج. وتربط صدور التعميم 159 بممارسات سابقة قامت بها المصارف لا علاقة لها بالتحاويل الطازجة أو الفريش دولار. غير أن مصدراً مطلعاً يؤكد في حديث لـ”المدن” سوء نوايا مصرف لبنان والمصارف الكامنة وراء التعميم 159: “فمصرف لبنان لم يُلزم المصارف حسب صيغة التعميم بتطبيقه لجهة شراء الدولارات الواردة من الخارج. لكنه في الوقت عينه كان واضحاً بإتاحته للمصارف مصادرتها واستبدالها بالليرات وفق سعر السوق، حتى من دون تحديد ماهية سعر السوق”. ويتخوف المصدر، من استكمال مصرف لبنان مسيرة السيطرة على كافة التحاويل الدولارية إلى البلد، بإصدار قرارات مُلزمة لمؤسسات التحويل المالي مثل OMT وغيرها، باستبدال الدولارات بالعملة الوطنية وفق سعر السوق. خصوصاً أن مصادرة التحاويل الدولارية الواردة إلى المصارف سيدفع بمحوليها إلى الاتجاه نحو شركات التحويل المالي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التعميم 159 يتعارض في أحد بنوده مع أكثر من تعميم سابق، ومن بينها التعميم 158 لجهة حرية التصرف بالحسابات والتحويلات الدولارية الجديدة أو الفريش دولار، وعدم إخضاعها لأي قيود أو تدابير مصرفية، في حين أنه يطلق يد المصارف لحجزها حسب ما جاء في تعميمه الأخير (راجع “المدن”).
التباس متعمّد
وفي حين ترى المحامية ديالا شحادة، من رابطة المودعين، أن التعميم 159 غامض وملتبس ببعض جوانبه عن عمد وينقصه الوضوح، تجزم أستاذة القانون المتخصّصة بالشأن المصرفي، سابين الكيك، بأن التعميم 159 يبيح للمصارف وبشكل واضح الاستيلاء على التحاويل من الخارج واستبدالها بالليرة اللبنانية.
وترى شحادة في حديثها إلى “المدن”، أن مصرف لبنان يرتكب من خلال التعميم 159 العديد من المغالطات والمخالفات. كما ينطوي التعميم على تعابير ملتبسة كـ”سعر السوق” المُعتمدة في البند الذي يتحدث فيه عن الأموال الواردة من الخارج. وتسأل ما المقصود بسعر السوق، وهل المقصود المنصات التي ابتدعها مصرف لبنان أم السوق السوداء؟ وفي حال كان المقصود السوق السوداء، فذلك يعني أن مصرف لبنان يتيح للمصارف الامتثال إلى السوق غير الشرعية. وهذه مخالفة بحد ذاتها.
وتختصر شحادة توصيف التعميم 159 بـ”المقلق”، خصوصاً لجهة البند المتعلق بالتحاويل الخارجية “لكن في حال كان مصرف لبنان يقصد مصادرة التحاويل من قبل المصارف، فإن ذلك يحتم على كل شخص يتعرض لحجر حوالته المالية بالدولار من قبل المصرف وإلزامه بتقاضيها بالليرة، أن يرفض ويمتنع عن استلامها، ويتجه إلى القضاء في وجه المصرف، مع استعداد رابطة المودعين لتقديم الدعم الكامل تطوعياً”. وتؤكد شحادة أن رابطة المودعين تدرس سبل مواجهة هذا التعميم بكل الأدوات القانونية الممكنة، بعد جمع المعطيات الكافية حوله.
لا بد من الطعن
وإذ تدعو الكيك في حديثها إلى “المدن” كل متضرر من التعميم 159 في حال تطبيقه إلى التقدم بمراجعة (أو طعن) بحقه، توضح أن المراجعة تتم بحق قرارات المجلس المركزي لمصرف لبنان وليس بالتعاميم التي تُسند إلى قرارات. فهذه القرارات لها الصفة الإدارية التي تخضع لرقابة القضاء الإداري، والتي يجوز إبطالها عند تجاوز حد السلطة الممنوحة للمصرف المركزي، كهيئة ناظمة تدير مرفق عام. وبالتالي، المراجعة تقدم أمام مجلس شورى الدولة خلال شهرين من تاريخ صدور هذا القرار، ويجري التقدم بها من كل ذي صفة وذي مصلحة.
وهنا نتحدث عن تعميم يتعلق بعلاقة المصارف مع عملائها بعدة نواحي أو مواد، واحدة منها تتحدث وتحدد مسار جديد لكيفية تسليم الأموال النقدية بالعملات الأجنبية للعملاء والزبائن في لبنان، تقول الكيك، وتميّز بين التحويلات المصرفية والتحويلات عبر شركات التحويل المالي.
فالتحويلات المصرفية تدخل في حساب المودع، وتخضع مباشرة للنظام المصرفي اللبناني، الذي يقع تحت أحكام قانون الموجبات والعقود وقانون النقد والتسليف. وهنا تحدث عملية دراسة هذا التعميم، وما إذا كان يناقض أو لا يناقض القواعد أو الصلاحيات الممنوحة للمصرف المركزي كهيئة ناظمة، توضح الكيك. أما في ما خص علاقة مصرف لبنان بموضوع القرارات التي يعممها على شركات تحويل الأموال، فالأمر يختلف. فهناك لا علاقات مع المودع، بل هناك قطاع مالي يخضع نظامياً للمصرف المركزي. وبالتالي، نتحدث عن طعن أو مراجعة من قبل المودع أو العميل الذي يجب أن يتمتع بصفة في هذا الملف، والذي عليه إثبات الأهلية التي تسمح له بتقديم المراجعة. هذا من حيث الشكل، أما من حيث الأساس فحينها على مجلس شورى الدولة أن يقرر ما إذا كان مصرف لبنان تجاوز أم لم يتجاوز حد السلطة. وإذا كان الجواب نعم، قد يلجأ إلى إبطال القرار. ومن الممكن إذا ما كان قراراً تمهيدياً أن يصدر مجلس الشورى قراراً بوقف تنفيذ التعميم قبل صدور القرار النهائي.