كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
أحيا المشهد الانتخابي في شمال لبنان، خصوصاً في الدائرتين الأولى (عكار) والثانية (طرابلس – المنية والضنيّة)، الاصطفاف السياسي لمعسكري «8» و«14 آذار»؛ إذ برزت المواجهة على أشدّها بين الطرفين، بعد مجاهرة «حزب الله» باستخدام نفوذه السياسي والمالي لفوز حلفائه في المعقل السنّي، بهدف حصد مزيد من المقاعد السنيّة وتكريس أكثريته في البرلمان.
ورغم تعدد اللوائح في طرابلس وقضاء المنية ـ الضنيّة، فإن المنافسة الأقوى برزت بين لائحة «إنقاذ وطن» لتحالف «حزب القوات اللبنانية» والوزير السابق أشرف ريفي من جهة؛ ولائحة «الكرامة الوطنية» التي يرأسها الوزير السابق فيصل كرامي وتضمّ النائب جهاد الصمد وجماعة «جمعية المشاريع» وأحزاب أخرى مدعومة من «حزب الله» من جهة ثانية، وإن كان ثمة تأثير ملموس على الأرض للائحة «لبنان لنا» التي يرأسها النائب السابق مصطفى علوش المدعوم من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة.
حماوة المنافسة بين اللوائح لم تترجم بإقبال كثيف على صناديق الاقتراع؛ إذ بقيت نسبة الاقتراع خجلى حتى ساعات الظهر ولم تتخطّ في هذه الدائرة 13 في المائة، غير أن المشهد اختلف بشكل لافت بعد الظهر، وكادت انتخابات هذه الدائرة تمرّ بهدوء تام، لولا الاعتداء على موكب المرشح العلوي النائب في كتلة «الوسط المستقبل» علي درويش (كتلة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي)، ومنعه من الدخول إلى منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية للإدلاء بصوته، باعتبار أن أبناء هذه المنطقة ينتمون إلى «الحزب العربي الديمقراطي» الذي يرأسه رفعت عيد اللاجئ إلى سوريا إثر الشروع في محاكمته بجريمة تفجير مسجدي «السلام» و«التقوى» في طرابلس في عام 2013. وسجّلت طرابلس عند الواحدة والنصف ظهراً وصول الحافلات التي تقلّ المجنسين من سوريا، للتصويت للائحة فيصل كرامي وحلفاء «حزب الله» والنظام السوري، بهدف تعزيز حواصلهم إثر تدني إقبال مؤيديهم من داخل الدائرة.
المشهد في الدائرة الأولى (عكار) لم يختلف عن طرابلس؛ إذ إن المعركة اكتسبت حالة الانقسام الحاد بين لائحة «الاعتدال الوطني» التي ينخرط فيها النواب هادي حبيش ومحمد سليمان ووليد البعريني، بعد استقالتهم من «تيّار المستقبل»، وبين لائحة «8 آذار» التي تحمل اسم «عكّار أولاً»، برئاسة النائب السابق محمد يحيى المتحالف مع «التيار الوطني الحر» و«الحزب القومي الاجتماعي» و«حزب البعث»، والتي يزج فيها «حزب الله» بثقله السياسي والمالي، لنجاح حلفائه فيها. وتسببت حماوة المعركة في إشكالات متنقلة؛ أبرزها تمثّل في اعتداء مناصرين لـ«الحزب القومي» على مندوبين لمرشحي «القوات اللبنانية» داخل المركز الانتخابي في مدرسة بلدة برقايل، ما أدى إلى إقفال المركز إلى حين تدخل الجيش والقوى الأمنية وإعادة الأمور إلى طبيعتها، كما سجّلت إشكالات محدودة في بلدات البيرة ومشمش والقبيات.
صحيح أن الاصطفاف برز حاداً بين معسكرين متباعدين في السياسة، لكنّ جوهره تمثّل في المنافسة على المقعد الماروني في عكّار بين النائب هادي حبيش، الذي كان منضوياً في «كتلة المستقبل»، وبين مرشّح «التيار العوني» جيمي جبّور، ولذلك غلب التركيز على هذا المقعد؛ إذ إن «التيار العوني» يضع ثقله لكسب هذا المقعد وتسجيل انتصار سياسي في قلب الخزّان السنّي في عكّار، فيما آثرت القاعدة السنية كسر هذه الإرادة والإبقاء على المقعد من حصّة حبيش الذي يبقى في قلب معادلة القوى السيادية المناوئة لـ«حزب الله» وحلفائه، وهو ما انصرف له الفريقان قبل أيام من بدء العملية الانتخابية.