“كبتاغون” مثل البونبون: نسبة زيادة عدد المدمنين 400 في المئة
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
من الآخر، وبلا لفّ ودوران، إرتفعت نسبة تعاطي المخدرات في لبنان 400%! أفلا تستحق “««الدولة اللبنانية”»» المتخاذلة الدخول في ««”غينيس بوك”»» عن دورها في قتل شبابها؟ المشهد فظيع والمعنيون ««”كوما”»» والحدود مشرّعة والكبتاغون على ««”قفا مين يشيل”»» وسياسة ««”غضّ النظر»»” تسود. فهل يندرج كل ذلك في منهجية تدمير ما تبقى من الكيان اللبناني؟
حين «طوشوا» اللبنانيين بمقولة «الأخوّة» بين لبنان سوريا نسوا إخبارهم أن ما بينهما من جوامع مشتركة هو «الكبتاغون». فهناك، مثل حالهم هنا، يُصورون أنهم يصادرون شحنات الكبتاغون من دون ان يحددوا الجهة التي تقف وراءها او أن يقبضوا على المروجين، والأنكى أننا لم نسمع ولا مرة أنباء عن ضبط أي شحنات عند حدود البلدين العائمين على كبتاغون. فهل علينا ان نسأل لماذا؟ هل علينا أن نستغرب؟ ما يهمنا هو الشباب اللبناني والبقية، العفاريت الحمر- عند الحدود- باتوا مكشوفين «ودود الخلّ منو وفيه».
تهريب المخدرات في البطاطا
المدمنون الى زيادة. متوسط أعمار متعاطي مواد الإدمان الى انخفاض. عدد النساء المدمنات ارتفع. ونسبة قليلة جداً من المتعاطين تحصل على العلاجات المناسبة السريعة. والمدمن، كما تعلمون، ليس مجرماً بل مريضاً يحتاج الى علاج. هذا طبعاً في القانون. فماذا عن حال هذا المدمن ومن هم على سكة الإدمان في بلد مشرّع على نهايات قاتمة ومسؤولوه يرددون: بدكم تتحملوا؟
مضى على تأسيس جمعية «جاد»، المتخصصة بالتوعية والوقاية من تعاطي المخدرات، أكثر من أربعين عاماً. يعني بات رئيسها جوزف حواط قادراً على الإمساك بمحاور الملف بإحكام شديد. هو لا يهدأ. ديناميكي. ينزل من جبيل الى وزارة الصحة ثم وزارة الإقتصاد ثم وزارة الشؤون الإجتماعية…يصول ويجول… مراكماً الكثير من التفاصيل التي تتضمن للأسف كثيراً من التوجسات من الآتي.
فلترة
وافرة هي المعلومات التي يملكها حواط «حول أمنيين يشاركون في تجارة المخدرات في لبنان، في ظلّ التدهور الإقتصادي والمالي وتدني قيمة الأجور بشكل فظيع» ويشرح «هناك كثير من ضعفاء النفوس، ليس في لبنان وحسب بل في كل العالم، حيث يوجد في صفوف العسكريين مرتشون، وتعمل الأجهزة الأمنية عادة على «فلترة» نفسها بنفسها». ما يتحدث عنه حواط يطرح كثيراً من الأسئلة: فماذا عن رئيس مكتب مكافحة المخدرات في البقاع الذي كان ينقل المخدرات في الآلية العسكرية؟ القضاء العسكري اصدر مذكرة توقيف بحقه لكن اين هو؟ هل اوقف بالفعل؟ نطرح ذلك على حواط فيجيب «من كل عقلك تسألينني؟» ويضيف «نحن لا يمكننا الإطلاع على التحقيقات».
يبدو أن لا مكان للعقل والمنطق في أمور كثيرة في لبنان. ومثال على ذلك من مسائل لا يمكن فهمها أن أحد المسؤولين ممن كان يفترض بهم ان يكشفوا على شحنة كبتاغون «على الأرض» وقّع من مكتبه على الكشف عليها واتلافها! وهو، بفعلته تلك، إما متورط أو غبي أو مخالف للقانون. ويفترض ان يؤخذ قرار في حقه وهو ما لم يحصل.
ماذا عن باقي المرافئ والمعابر؟
قصة المخدرات والكبتاغون «معمعة» لها اول وليس لها آخر. ويقول حواط «هل سمعتم في حياتكم عن مخدرات لقطوها على معبر المصنع او على مرفأ صور؟ نسمع عن ذلك عبر مرفأ بيروت وعن كميات قليلة عبر مطار بيروت. شعبة مكافحة المخدرات في مرفأ بيروت تكتشف يومياً شحنات مهربة. فهل التجار أغبياء الى هذه الدرجة ليشحنوها عبر المرفأ لا عبر المصنع مثلاً؟ هنا يشار الى انه عالمياً يقال ان 12 في المئة فقط من الكميات المهربة يتم كشفها فقط وهذا معناه ان 88 في المئة تدخل وتخرج كما يحلو لها. بالتالي، هناك من يعمل على إلهائنا عبر مرفأ بيروت و»يعمل العمايل» في غيره عبر المعابر الأخرى.
ماذا عن حالنا في الداخل اللبناني؟ يجيب حواط «برأيي الدولة متورطة في مكان ما. وهنا أسأل عن السكانر» المعطلة. نحن بحاجة الى 32 سكانر. فمن يعطل تركيب تلك السكانر؟ يبدو ان الدولة غير مهتمة، فهي إما لا يهمها الموضوع او لم تأخذ قرارها.
يحصل كل ذلك الإهمال في وقتٍ شبابنا يموتون من المخدرات. في أقل من نصف ساعة تلقى حواط أكثر من 30 إتصالاً من مدمنين. ويقول: «طوال حياتي لم ار هذا الكم من المدمنين الشباب في لبنان. وإذا قارنا بين كانون الثاني وشباط 2021 مع كانون الثاني وشباط 2022 نكتشف ان العدد زاد 400 في المئة. والأسوأ أننا لم نعد نكتشف مدمن حشيشة بل أصبح الشباب مدمني كوكايين وهيرويين وكبتاغون. ما يظهر في درب الشباب المدمنين يأخذونه. ومعلوم ان الإدمان ايام زمان كان يبدأ بسيكارة حشيش ويتطور الى كحول ومنشطات رياضية ثم كوكايين ثم free base ثم هيرويين ثم كل ما يظهر امامهم. أصبح المدمن اللبناني يبدأ من الآخر».
كلفة الحبة 17 سنتاً
الكبتاغون لمن لا يعرف هو من عائلة الكوكايين يأخذونه مع الهيرويين، وكان يتناوله سائقو الشاحنات ليبقوا يقظين كونه بمثابة منشط، وهو يرفعهم الى فوف فوق up ثم يجعلهم down. هو مثل مشروبات الطاقة لكن اقوى بنسبة 17 او 18 مرة اكثر. وهناك انواع منه. هناك صنف رأس الحصان وهو نقي pure وتكون نسبة الفيتامين فيه اعلى من نسبة الكافيين وهناك صنف الهلالين وتكون نسبة الكافيين فيه أعلى. هناك اصناف كثيرة اخرى. ويباع بالحبة التي كان ثمنها العام الماضي 500 ليرة فأصبحت اليوم بخمسة آلاف ليرة. وتصل الى الخليج بعشرين دولاراً وهي تكلف اقل من 17 سنتاً. وتكفي ماكينة صغيرة لتصنيع الكبتاغون في مكان لا تزيد مساحته على مترين مربّعين. ويمكن لأي كان ان يصنع معمل الكبتاغون. ويمكن للدولة أن تحدد المُصنّع من خلال التدقيق بمن يستورد الكافيين الأبيض الى لبنان. هنا يتم استيراده رسميا من قبل معمل الدواء وشركة المياه الغازية لكن حين يستورده تاجر من عائلة معروفة بتجارة المخدرات فيفترض بالدولة ان تسأل وتراجع وتحقق. فكيف يمكن أن يستورد أحد التجار ثلاثين مستوعبا من المادة من دون أن تسأله الدولة عن وجهة الإستعمال؟ وهذا للأسف ما يحصل. هنا نلفت من لا يعرف ان مكتب المخدرات الذي يراقب هذه المواد لا يملك مكتباً في مطار بيروت حيث يوجد جهاز أمن المطار. كما ان عديد عناصر هذا المكتب لا يزيد عن ستة او سبعة».
ما نسمع عنه يجعلنا نجدد طرح السؤال: هل هناك قرار بغضّ النظر؟ يا لهذا السؤال!
الثابت إذاً، أنه بحسب كل المعطيات أن الدولة متورطة في مكان ما. فكيف لأي أحد أن يتراخى في هذا الموضوع الذي يقتل شبابنا؟ فهل وصل الفساد الى هذا الدرك؟
الشباب المدمن من أبناء وبنات العائلات الذين بمقدورهم شراء غرام المخدرات بثمانين دولاراً، وهناك كثيرون من أبناء الفقراء والمعوزين الذين يستخدمهم التجار في أعمال التوزيع مقابل حصة لهم من المخدرات. وبذلك يُقحم كثير من الشباب المتعاطين في التجارة ويُصبح صعباً الدفاع عنهم لأن القانون 98 يتيح للجمعيات مساعدة ومتابعة المتعاطين لا التجار.
المدمن مسيّر
نعود الى جوزف حواط لسؤاله: كيف يصل المدمن الى جاد او ام النور او سواهما من الجمعيات؟ يجيب «لا يأتي المدمن غالباً من تلقاء نفسه لأنه مسيّر لا مخيّر. هو لا يملك القرار. وإذا قال الآن: أنوي العلاج فسيبدل رأيه بعد ثوان. وبالتالي من يقصد جاد هم من يحتاجون ورقة ما فنجبرهم على التوجه الى الطبيب أولاً. ويضيف 6 في المئة من المدمنين ننجح في علاجهم ويشفون اما الباقون فيعودون الى الإدمان ثم الى العلاج من جديد فيشفى منهم، في الجولة الثانية، 15 في المئة. وكثيرون من المدمنين يموتون بجرعة إضافية. والخطير في الموضوع ان المدمن يعود بعد العلاج الى نفس إطار السكن والحياة السابقة ما يُسهّل إمكانية أن يضعف ثانية ويسقط مجدداً في شباك المخدرات. ويقول: هناك مشكلة مع العائلة اللبنانية التي لم ارها مستسلمة كما اليوم. العائلات تبدو تعبة جداً من كل شيء».
كيف تتعاطى جاد مع الشباب الذين يرفضون العلاج؟ يجيب حواط «جمعيات كثيرة تطلب من الأهالي قدوم اولادها المدمنين بأنفسهم إليها وهذا نوع من الضحك على الأهالي كي لا تقول لهم لا نستطيع استيعاب اولادكم. اما انا فأعرف ان المدمن مسيّر لذا استخدم معه نوعاً من الضغط والتهديد والوعيد وكان رؤساء مكاتب المخدرات يساعدونني سابقا في ذلك. الآن، أقول للأهالي أن عليهم إيجاد ضابط جهاز أمني يعمل على إخافة المدمن من خلال ذهابه الى بيته والإيحاء بأنه سيوقفه إذا لم يذهب من تلقاء نفسه الى العلاج. وتنجح عادة هذه الخطة مع نحو 90 في المئة من المدمنين. وحين يأتي المدمن أجري له 32 فحصاً مخبرياً بينها فحوصات الكبد والكلى والسيدا والصفيرة. ونحو 60 في المئة من المدمنين تظهر لديهم الصفيرة كونهم يأخذون مع الكوكايين زجاج الفلوريسون المطحون الذي في داخله بودرة بيضاء. بعدها يبقى المدمن نحو سبعة ايام في مستشفى ضهر الباشق ثم نتابعه نحو سنة ونصف في الخارج مع طبيب صحة عامة وطبيب تغذية واختصاصي في علم الإجتماع وآخر في علم النفس».
من يتعاطى الهيرويين والكوكايين ينحف ومن يتعاطى الحشيش يزيد وزنه كونه يتناول الكثير من السكر معه، لذا نمنعه من تناول السكر طوال شهرين كي لا تتحرك خلاياه مجدداً». هنا يستطرد حواط بالقول: «في ايطاليا انخفضت المراكز الداخلية العلاجية كثيراً واستبدلوها بعيادات».
الجمعيات التي تعنى بالمدمنين كثيرة في لبنان «وهي تفرّخ مثل الفطر» وبعضها يتقاضى مالا من الدولة. وبعضها يعمل من «حلاوة الروح». جمعية جاد على سبيل المثال تقاضت 22 مليون ليرة عن الأعوام الثلاثة الماضية أي ما معدله سبعة او ثمانية ملايين ليرة سنويا أي ما يعادل 400 دولار وأقل في السنة. أتتخيلون؟