أزمة الصادرات الخليجيّة تقضي على “آخر خرطوشة” لإنقاذ الإقتصاد
كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:
عزلة عربية وانهيار مالي واقتصادي بعدما انضمت الإمارات الى المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت في تصعيدها الديبلوماسي ضد لبنان بعد تصريحات سابقة لوزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، حول حرب اليمن. فما هي التداعيات الاقتصادية المتوقعة بعد إعلان السعودية وقف الواردات من لبنان؟
يبدو أنه من الصعب فصل السياسة عن الاقتصاد، فهما توأمان أحدهما يكمل الاَخر، ففي كل بلدان العالم تعمل السياسة على أن تكون في خدمة الإقتصاد، فحسن تدبير السياسة يساعد على تطوير المجتمع وبالتالي تحقيق الإزدهار والنمو لكافة القطاعات الاقتصادية. ولكن هذه العلاقة مرهونة بشكل النظام السياسي، فلا يمكن للإقتصاد فيها أن يتحرر ويتطور في ظل وجود سياسات متخبطة. وفي لبنان، يقع الاقتصاد ضحية المواقف والقرارات السياسية، ولا يمكن أن ينمو إلا بإعتماد الحياد.
“لا ثقة” بالحكومة الجديدة. بعدما كان يأمل اللبنانيون بقدرتها على وقف الإنهيار الحاصل في البلد، إذ منذ تشكيلها لم تضع أي خطة إصلاحية واضحة للحد من معاناة الشعب، حيث كان اَخر إنجازاتها اندلاع أزمة بين لبنان والسعودية، لتقضي بذلك على “آخر خرطوشة” لإنقاذ الإقتصاد بعدما رزح لبنان تحت أزمة اقتصادية ومالية حادة أدت الى انهيار كافة القطاعات وعلى مستويات عدة.
الخسائر ليست فقط مالية
خسائر اقتصادية كبيرة ستطال الإقتصاد بعد التصعيد الديبلوماسي من قبل الرياض ووقف كافة الواردات اللبنانية الى السعودية، ما يؤدي الى المزيد من الإنهيار الاقتصادي وتدمير السوق المحلي. “ولكن المشكلة ليست فقط بوقف عملية التصدير أو بوجود 500 الف لبناني يعملون في الخليج العربي، إنما المشكلة الأساسية هي قطع العلاقات مع دول كان لنا تاريخ معها وسيكون لنا مستقبل معها، إضافة الى المساعدات والإستثمارات التي قدمتها هذه الدول خصوصاً في قطاعات السياحة والفنادق وغيرها وبشكل خاص السعودية، ومساهمة اللبنانيين في اعمارها”، يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، كما ويعتبر أن “ما يحصل هو مخطط مدروس للقضاء على كافة القطاعات الاقتصادية وقطع الأوصال بين لبنان والعالم وخاصة الدول العربية”.
التداعيات الاقتصادية
“وتقدر قيمة الصادرات الى الدول العربية بمليار و200 الف دولار لسنة 2020، يقول بكداش، منها 240 مليون دولار للسعودية وذلك رغم التشدد في الاجراءات لمكافحة فيروس كورونا في السعودية، وكان الهدف المتوقع لسنة 2022 بعدما تمكن لبنان من تحقيق منافسة في الاسواق العالمية (بسبب تدني كلفة الانتاج) أن تتضاعف قيمة الصادرات الى السعودية الى نحو 500 مليون دولار، ولكن في ظل قرار المقاطعة، الخسائر ستكون كبيرة، ما يدفع عدداً كبيراً من المؤسسات الى اغلاق ابوابها وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة في لبنان. وتجدر الإشارة الى أن عدداً كبيراً من المؤسسات والمصانع وخاصة الغذائية كانت قد أغلقت أبوابها وقررت أن توسع خطوطها في الخارج بسبب الإجراءات التي فرضتها السعودية عندما ضبطت حبوب الكبتاغون في الفواكه اللبنانية”.
لا توجد اسواق بديلة
ويشير رئيس غرفة التجارة الدولية وجيه البزري الى أنه “لا توجد أسواق بديلة عن السوق الخليجي العربي، ونحن نتحدث عن نهاية القطاعات الإنتاجية التي ما زالت تحرك اقتصاد لبنان خصوصاً في ظل الأزمة الراهنة ونظراً لضعف الاعتماد على الأسواق المحلية، حيث أن نسبة 60 في المئة من المنتجات اللبنانية الزراعية والصناعية يتم تصديرها الى دول الخليج العربي، اذ يسهم تصديرها في انعاش القطاع الزراعي والصناعي. كما وتصديرها يساهم في ادخال العملة الصعبة الى البلاد، ومع توقف التصدير سينحسر دخول النقد الأجنبي حيث لن يتمكن المصنّع أو المزارع تشغيل آلاته وتغطية مصاريفه، ولن يتمكن المزارع من تصريف انتاجه في الأسواق المحلية ما يؤدي الى خسائر كبيرة تمنعه من التحضير للمواسم المقبلة. إن الخسائر التي سيتكبدها لبنان من هذا القرار هائلة، فهو بحاجة إلى العملة الصعبة، وذلك لتأمين حاجاته الأساسية ويعتمد على الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج”.
عمقنا التجاري هو العمق العربي
ويشير رئيس الفرانشيز يحي قصعة الى أن”عمقنا التجاري هو العمق العربي”، وليس من مصلحة لبنان قطع العلاقات مع الدول العربية، فالسياسيون في لبنان غير مدركين عن حجم الخسائر التي يمكن أن تترتب على كافة القطاعات.
ويؤكد قصعة على أهمية إبراز العلامات التجارية اللبنانية، محلياً وعربياً ودولياً، كما ويشكل قطاع الخدمات 4 بالمئة من الإنتاج اللبناني بحيث 50 بالمئة من خدماتنا تعود لثلاث دول أساسية: المملكة العربية السعودية، الإمارات وقطر، وليس من الممكن تخيل حجم الخسائر وخاصة في حال تم توقيف رحلات الطيران، فهي تعتبر اساسية في مجال الخدمات. وحتى الآن لا يوجد أي مؤشر على أن هذا الحظر قد يُرفع قريباً، الأمر الذي يقلق الأسواق”.
ووصف وزير الخارجية اللبناني في أحدث تصريح له أن الأزمة اللبنانية السعودية هي “أكبر من لبنان”، معلناً عن فشل خلية الأزمة في حل المشكلة الديبلوماسية مع دول الخليج وذلك لأن الأزمة أصبحت أكبر من الوزارات وأكبر من لبنان بسبب عوامل خارجية وداخلية أيضاً وهي لن تجتمع مرة أخرى.
ولكي يتعافى لبنان من أزمته المالية الراهنة، لا بدّ من بناء نظام اقتصادي جديد، على أن يترافق ذلك مع تطبيق إصلاحات سياسية. ولكن الأهم من ذلك، إلتزام الحياد الذي يعتبر الحل الوحيد للبنان نظراً لحجمه الصغير وتعدد طوائفه.
المصدر : نداء الوطن