التأمين لمن يملك “الفريش” دولار!
كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:
لا شك أن قطاع التأمين هو من أكثر القطاعات التي تأثرت بالأزمة المالية في لبنان، ولكنه لم يحظَ بالأهمية ذاتها التي حصل عليها القطاع المصرفي بالرغم من أهميته. فاللبنانيون يصارعون لتجديد بطاقات التأمين، وخاصة بعدما فُرض تسديد بوالص الاستشفاء بالدولارات الطازجة عند انتهاء صلاحيتها الحالية. فما هو مصير المؤمَّن بعد اليوم؟
منذ بدء الأزمة في لبنان، وقطاع التأمين ما زال خارج أي تنظيم. حيث أصبحت كل شركة تختار ما يناسبها للتعامل مع زبائنها، ولم يطبق أي سعر موحد لاستيفاء البوالص بالدولار. ولكن مع جنون ارتفاع الدولار ورفع الدعم عن معظم المستلزمات الطبية، إضافة الى تشدد النزاعات بين المستشفيات والمختبرات الطبيّة من جهة، وشركات التأمين من جهة أخرى، أصبح التسعير بالدولار النقدي أمراً حتمياً. فمنذ تشرين الأول بدأت معظم شركات التأمين إبلاغ أصحاب بوالص الاستشفاء لديها بقرارها الجديد: سداد قيمة البوالص الجديدة بالدولارات الطازجة، وذلك فور انتهاء صلاحيّة البوالص الحالية، ما سيجعل عدداً كبيراً من اللبنانيين رهينة كشف أي غطاء صحي يؤمن على صحتهم، فهم عاجزون عن تسديد هذه المبالغ الباهظة كونهم ما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية بدون أي تصحيح للأجور.
بوالص متنوعة بخدمات مختلفة
ومع تسعير بوالص التأمين بالدولار، ستُحَل مشكلة خيارات الاستشفاء التي فرضتها شركات التأمين من جرّاء هذه الأزمة، والتي جعلت أصحاب البوالص التأمينية يتحملون عبء الحصول على الخدمة الاستشفائية من جيوبهم الخاصة. وبذلك لم يعد يترتب على المضمون دفع أي فروقات إضافية عند دخوله الى المستشفى، ولكنها في المقابل تشكل عائقاً لمن لا يستطيع دفع بوليصته بالدولار. “فإرضاء الزبائن والمحافظة عليهم أمر ضروري لاستمرار القطاع”، يقول نقيب وسطاء التأمين في لبنان سيريل عازار، “لذلك منذ بدء الأزمة تحاول شركات التأمين إيجاد حلول تمكن المواطنين من الحصول على بوالص تأمين بحسب قدرتهم، ولكن مع تأزم الأزمة وبعد الشروط التعجيزية التي وضعتها المستشفيات على شركات التأمين، اتجهت معظمها الى تسعير بوالص الاستشفاء بالدولار مع خفض بحوالى 25 الى 30 بالمئة من قيمة العقود السابقة، وبذلك لا يتعرف المريض الى أي فروقات إضافية. وهي تشمل حوالى 95 بالمئة من المستشفيات على الأراضي اللبنانية”. وبحسب عازار فان بعض الشركات وضع منتجات جديدة أمام المضمون تؤمن خدمات محدودة وبسعر أرخص، حيث يُدفع 25 بالمئة من البوليصة بالدولار النقدي و75 بالمئة باللولار وبذلك لا يتعرف المضمون على أي فروقات اضافية، ولكن تكون شبكة المستشفيات المتعاقدة معها محدودة”.
أما بالنسبة لبوالص حوادث السير التي كانت مقسمة الى ثلاثة أسعار: الدفع بالدولار أو باللولار أو بالليرة اللبنانية على أساس 1500، فقد تغيرت اليوم بحسب رئيس جمعية شركات الضمان إيلي نسناس. حيث أصبحت جميع بوالص تأمين الممتلكات تسعّر بالدولار النقدي، ومن ضمنها بوالص تأمين السيارات على جميع المخاطر تتحول تدريجاً إلى التسعير بالدولار النقدي وكذلك بوالص تأمين الشحن البحري، وتبقى بوالص ضد الغير بالليرة اللبنانية مع ارتفاع في أسعارها”.
أهمية استمرار القطاع
“لا يزال قطاع التأمين في لبنان صامداً رغم قساوة التحديات والصعوبات التي واجهته”،يقول نسناس، “ورغم تسعير البوالص بالدولار، ليس هناك العديد من الزبائن الذين تخلوا عن بوالص التأمين وخاصة كل ما يتعلق بالاستشفاء. ولا يمكن معرفة العدد الحقيقي للمؤمنين قبل 3 أشهر من اليوم، أي بعد بداية السنة الجديدة. ويمكننا ملاحظة الوعي والإدراك لدى الشعب على ضرورة التأمين على ممتلكاتهم وحياتهم وخاصة في ظل الظروف الحالية، لأنه في حال انهار التأمين الصحي، ستغرق الدولة في مشكلة، فهي غير قادرة على تحمل تكاليف إضافية، لذلك من الضروري الحفاظ على هذا القطاع وعلى الشركات أن تؤمن خدماتها لكافة أنواع المؤمنين لديها”. ويشير ايضاً الى “حسن النية لدى الحكومة الحالية ولدى وزير الاقتصاد لمساعدة قطاع التأمين، ونحن نطالب مجلس النواب أن يتم استثناء شركات التأمين من مشروع قانون “الكابيتال كونترول” في حال تم إقراره لنستطيع تحويل الأموال لمعيدي التأمين في الخارج العالقة منذ 17 تشرين 2019، إضافة الى تفعيل دور لجنة الرقابة للحد من كل التجاوزات الحاصلة داخل القطاع، وعمل وزارة الصحة على تسعير المستلزمات الطبية على غرار الأدوية، بهدف توحيد الأسعار والتكلفة”.
ومع اعتماد شركات التأمين الدفع عن طريق الدولار النقدي للتمكن من مواكبة الأسعار الجديدة، يبقى السؤال، هل سيتمكن القطاع من ضبط الفوضى التي عاشها خلال هذه السنة والبدء مع السنة القادمة على قوانين وعقود جديدة؟ وماذا سيكون مصير غير المقتدرين على دفع “الفريش”؟
أن يكون المواطن لديه تأمين وخاصة التأمين الصحي هو ضرورة اجتماعية وحق مقدس باعتباره مظلة أمان لتغطية أي حادث يطرأ له. إلا أن استمرار تردي الأوضاع المعيشية سيحرم الكثير من العائلات اللبنانية من الحصول على أي نوع من التأمين، وستصبح الطبابة ترفاً بيد المقتدرين فقط.