لبنان في وضعية السقوط الحر: 78% من اللبنانيين في دائرة الفقر
السقوط الحر” أو chute libre مصطلح يطلقه أهل الإقتصاد في توصيفهم للحالة اللبنانية الراهنة، بظلّ أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد منذ عقود، بلغ معها التدهور المعيشي مستويات قياسيّة هي الأسوأ بتاريخ لبنان، بحيث انهارت الليرة، وتدهور متوسط الراتب إلى سبعين دولار، بعدما كان يقارب ألف دولار شهريًا، ولم يعد كفيلًا بتأمين أبسط مقومات العيش.
ماذا يعني السقوط الحر؟ ما هي مؤشراته؟ هل ينطبق على وضعية لبنان؟
الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري يلفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ السقوط الحر مبدأ فيزيائي، يُستخدم لوصف سقوط الاجسام بتسارع يتجاوز عشرة أمتار في الثانية الواحدة، ويُستخدم بشكل نعهده، وهو السقوط من الطائرة بدون مظلّة أو قبل تشغيلها.
إسقاط المصطلح على سقوط الدول والمجتمعات، يعني السقوط من دون أيّ ردة فعل أو مناعة. في الحالة اللبنانية تبدو جليّة مؤشرات السقوط الحر، وفق الخوري، من انهيار المصارف الى سعر الصرف والدعم، وصولًا إلى الإنهيارات الحاصلة في قطاعي الصحة والطاقة، ناهيك عن الأمن المتفلّت، وعدم انسجام الحكم، وغياب أيّ نظرة قصيرة كانت أم طويلة الأجل لوضع لبنة وأسس للاصلاح. كل ذلك يجسّد أشكال السقوط الحر.
أهل الإختصاص يفنّدون مؤشرات الإنهيار الذي بلغناه بلغة علميّة، تشتمل على توصيف حال القطاعات التي تشكّل عماد الإقتصاد في أيّ بلد. وبلغةً مبسّطة، تكفي الإشارة إلى إنّ الحصول على الأغذية الأساسية وعلى الأدوية بات أمرًا صعب المنال للكثير من اللبنانيين، لتدارك مدى عمق الأزمة الإقتصادية، المصنّفة وفق البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي. وفي السياق كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قدّر أنّ 78 % من السكان باتوا يعيشون في الفقر، فيما يعيش 36 % في فقر مدقع.
يشير البروفسور الخوري إلى اربع سمات لتفكّك الدول حدّدتها دراسة صدرت عن جامعة “جونز هوبكِنز” الأميركية عام 1995 تحت عنوان “تفكّك واستعادة السلطة الشرعية” استنادًا إلى تجاربِ بعضِ الدول الأفريقية بعد الاستقلال إمتداداً حتى التسعينات الفائتة ” السمة الأولى تكمن بتدمير قدرات المجتمع عبر القمع والإهمال. السمة الثانية لانهيار الدولة تظهر بفقدانِ السيطرة على الفضاءَين السياسي والاقتصادي، حيث يتوسّع الأوّل خارج الحدود القانونية لمُمارسة السلطة، فيما يتراجع الثاني باستمرارٍ بحسب السِمة الثانية. وتُشير السِمةُ الثالثة إلى أنّ انهيار الدولة ليس ظاهرة قصيرة الأمد، بل عملية انكسارية طويلة الأجل. ولأنّه لا قعرَ نهائيًا للانهيار، لا توجد عتباتٌ أو نقاطُ محدَّدة. أمّا السِمة الرابعة فتكمن بفقدان تركيز انتباه الحكومات على خطورة المشكلة إلى أن يفوت الأوان، ويصعب عندها تنفيذ تدابير وقائية”.
يلفت الخوري أنّه على رُغمَ اختلاف طبيعة التكوين الجيوسياسي والاجتماعي – الاقتصادي عن دول أفريقيا، فان سمات الإنهيار المذكورة تتطابق مع مسار الإنهيار اللبناني. كما تتوافق إشارات انهيار الدول مع النموذج اللبناني، لجهة انتقال القوّة إلى بدائل الدولة المركزية، عدم اهتمام الحكومة المركزية باحتياجات قواعدها الإجتماعية، بحيث تركّز الدولة بدلاً من ذلك على دائرتها المُقَرَّبة، وتكثر الإجندات السياسية فيما تتراجع البرامج، وتُمارس الحكومات السياسات الدفاعية فقط بدلاً من التدابير الموضوعية.
استنادًا إلى تقرير نشره مرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية في لبنان، فإن الأسوأ لم يأت بعد، وأنّ لبنان على شفا انهيار شامل لن يطال الاقتصاد وحده. ويشير التقرير إلى أنّ السبب الرئيسي للأزمة هو عدم وجود سياسة متكاملة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، إلى جانب غياب الإرادة السياسية الحقيقية للحل والمواجهة.
حال الإنهيار، والمشهدية المأساوية في بلد الـ 10452 كلم مربّع، لم تنجح بجعل معطّلي الحلول يتراجعون عن أنانياتهم المقيتة، ولهم في فعل الجحيم نصيب كبير من المسؤولية، خصوصًا أنّ الإنهيار الحاصل في شتّى القطاعات، ليس قدرًا حتميًّا، ولا مؤامرة كونيّة، كما يحلو للبعض تصويرها، بل تواطؤ داخلي يرقى إلى مرتبة الخيانة العظمى، والحساب حتمًا آت في محكمة التاريخ.
lebanon24