اخبار بارزةلبنان

شكّلوا الحكومة قبل الإنفجار الكبير

إذا لم تتشكّل الحكومة اليوم قبل الغد، وهي الأمل الوحيد الباقي لإنقاذ ما تبقّى، فإن أمور البلاد آيلة إلى سوء المصير، وبئس هذا المصير. الشارع يغلي ولا أحد يدري متى يكون الإنفجار الكبير، وهو إنفجار يتخّوف من تداعياته كل حريص على الوطن، الذي يعيش أسوأ أيامه، بعدما بلغ غضب الشعب حدًّا غير مسبوق، وبعدما بلغ به اليأس إلى حدود الكفر بكل شيء، إذ لم يعد لديه ما يخسره بعدما خسر مستقبله ومستقبل أولاده.
فلا بنزين ولا مازوت. الذّل أمام محطات المحروقات لم يعد يُحتمل. الحلول النظرية كثيرة، ولكن لا شيء عمليًا على الأرض، على رغم التدابير التي بدأ يتخذها الجيش والقوى الأمنية بمصادرة المحطات التي تخزّن هذه المواد. ويُحكى أن سعر صفيحتي البنزين والمازوت في حال رُفع الدعم عمليًا وجدّيًا بعد إنتهاء “مسرحية النعامة” سيتخطى المئتي ألف ليرة. أجرة السرفيس ستصبح 45 ألف ليرة. حينها ستضرب أسعار المواد الغذائية والفاكهة والخضار الأرقام القياسية من جديد. الصرخة سترتفع في الشارع،وقد بدأت، وبدأ صداها الموجع يصل إلى آذان كل مسؤول وإلى آذان العالم أجمع.
الناس لن ترحم أحدًا هذه المرّة. النقمة ستطال الجميع، وسيكون لشعار “كلن يعني كلن” ترجمة على الأرض من دون ضوابط أو حدود. الفوضى ستكون سمة المرحلة الآتية، وهذا ما يتخّوف منه كثيرون، مع خشية أن تصل حدود هذه الفوضى إلى العبث بالأمن العام، خصوصًا بعد المعلومات المؤكدة عن إنتشار السلاح الفردي في شكل غير طبيعي وغير مسبوق، وبعد تكاثر موجة الحوادث الأمنية الفردية المتفرقة والمتنقلة من منطقة إلى أخرى.
لا دواء في الصيدليات. لا بنج ولا أمصال في المستشفيات. لا مواد أولية لإجراء الفحوصات المخبرية في المختبرات. الأسعار ترتفع من دون “حسّ أو حسيس”. ونعود دائمًا إلى قصة إبريق رفع الدعم عن الدواء وعن المستلزمات الطبية وعن بعض الحالات المرضية المزمنة كغسل الكلى مثلًا. صحة المواطن خط أحمر. لا تتلاعبوا بها. المزح في الأمور الصحية غير مسموح. ممنوع الغلط وممنوع الإستهتار بالحدّ الأدنى من الإجراءات الوقائية، خصوصًا بعد الحديث عن تراجع مستوى الخدمات الصحية في ضوء تضاؤل نسبة تغطية المؤسسات الضامنة للمرضى. هناك حديث بأن ثمة أزمة مستعصية في هذه المؤسسات ولا سيما في الضمان الإجتماعي والصحي.
لا كهرباء بل عتمة شاملة مع مزيد من الأعباء المالية ومزيد من “التعتير”، حتى أن اصحاب المولدات، الذين جنوا أموالًا طائلة على مدى سنوات، باتوا بلا مازوت، وهم قبل هذه الأزمة كانوا يتحكمّون برقابنا. لا كهرباء في المنازل والمعامل والمستشفيات فيما بواخر الفيول تنتظر في البحر. لبنان بلا كهرباء، لا في الليل ولا في النهار. الإنترنت وهو الشريان الحيوي لكل أشغال الناس قد أصبح في حال يرثى لها، وقد بدأ بعض القطاعات الإعلامية يقفل أبوابه ويوقف بثه.

لا عمل ولا وظائف ولا فرص عمل جديدة متاحة فيما يتزايد أعداد الشباب المتخرجين من الجامعات والمعاهد والعاطلين عن العمل، وقد أصبحت وجهتهم إلى خارج الحدود، ولكن بشروط أشبه بـ”الكحل”، الذي يبقى أفضل من العمى.
عدد كبير من المؤسسات والشركات بدأ بتقليص نشاطاته، حتى أن القسم الأكبر منها قد أقفل أبوابه وأستغنى عن خدمات موظفيه.
ثمة أزمة تلوح في الأفق، وهي الأخطر، حيث يُقال أن الطحين بدأ ينفد من الأسواق، مما يعني أننا مقبلون على أزمة رغيف، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج كارثية على المستوى الشعبي، خصوصًا أن الخبز هو القاسم المشترك على موائد الفقراء، يضاف إليها أزمة عدم توافر مادة المازوت لتشغيل الأفران، وعادت طوابير الناس إلى سابق عهدها في عزّ أيام الحرب ، ولكن بصورة أبشع.

لا سيولة بين أيدي المواطنين، بإستثناء قلّة، خصوصًا أن “التحويشة” التي إستطاع البعض تهريبها من المصارف قبل الأزمة المالية، والتي وضعت في المنازل كإحتياط إلزامي، بدأت تنفد. وهذا الأمر ربما ساعد كثيرين في الصمود مدّة طويلة، وفي تأخير صاعق “الإنفجار الكبير”، مع إستمرار تدني القيمة الشرائية لليرة مقابل الصعود الجنوني لسعر الدولار.
هذه اللائحة الطويلة مما هو محرّم على اللبناني أن يتمتع به، وهو يدفع ثمنها من جيبه الخاص أضعاف ثمنها الحقيقي ستوّلد في النهاية “إنفجارًا كبيرًا، وقد لا ينجو من شظاياه كل من كان المسبّب.
نعود من حيث بدأنا، لنقول لفخامة الرئيس ولدولة الرئيس المكّلف: شكّلا الحكومة اليوم قبل الغد، لأن الغد قد يكون مخبِئًا لنا جميعًا ما لا تُحمد عقباه.

lebanon24

مقالات ذات صلة