قانون المنافسة ينضمّ إلى سلسلة القوانين المفخّخة والمعلّقة
كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
لم يخالف مصير قانون المنافسة 281/2022، منهجية التعطيل التي تنتهجها المنظومة. فالقوانين الإصلاحية الأساسية، ولا سيما تلك المشمولة في الورقة الإنقاذية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثالثة، تشبه «حكاية إبريق الزيت». إن أقررناها أم لم نقرّها، النتيجة تبقى نفسها ولا شيء يتغير. فإن قدّر لها إقرار المراسيم التطبيقية لها، فستبقى قوانين مفخخة بالعراقيل التي تضمن عدم المسّ بمصالح كبار المستفيدين.
قانون المنافسة الذي أقرّه البرلمان اللبناني في 15 آذار الفائت ونشر بتاريخ 17 آذار في الجريدة الرسمية، إنضمّ إلى أترابه من قوانين تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء والطيران، وسلامة الغذاء، المجمّدة، والتي يعمل على تفريغ مضمونها من هدفه الحقيقي.
تعطيل إنشاء الهيئة الوطنية للمنافسة
لغاية اللحظة، ورغم مرور أكثر من 9 أشهر على إقراره لم يتم إنشاء الهيئة الوطنية للمنافسة. و»هي الهيئة التي لا بدّ من تأليفها لكي يُصار الى تطبيق هذا القانون بشكل فعلي فلا يبقى حبراً على ورق»، تقول المحامية د. جوديت التيني. و»للغاية يترتب على وزير الاقتصاد والتجارة دعوة كلّ من مجلس القضاء الأعلى، نقابة المحامين، غرف التجارة والصناعة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لتسمية أعضاء مجلس إدارة الهيئة، أو ما يعرف بمجلس المنافسة لتسمية مرشحيهم للمراكز. و من بعدها ترفع الأسماء الى مجلس الوزراء، الذي يعيّن من بينهم أعضاء المجلس بموجب مرسوم». وعلى الرغم من انتفاء أي مبرر قانوني للتأخير لم يُعيَّن مجلس المنافسة لغاية الساعة. وهو ما يطرح برأي التيني السؤال التالي:هل وجّه وزير الاقتصاد هذه الدعوة؟ أو أنّ هناك تأخيراً، وما سببه؟ وماذا حلّ بالدعوة في حال وجّهها؟
مجلس المنافسة
يتألف مجلس الإدارة (المنافسة) غير المعيّن بعد، من 7 أعضاء على الشكل التالي:
– قاضيان من قضاة محاكم التجارة والإفلاس من الدرجة العاشرة على الأقل يرشحهما مجلس القضاء الأعلى.
– عضوان من ذوي الخبرة ترشحهما غرف التجارة والصناعة والزراعة.
– عضوان من المحامين من ذوي الخبرة في القانون التجاري وحقوق المستهلك، ترشحهما نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس.
– عضو واحد يرشحه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من غير أرباب العمل.
ترشّح كلّ من الجهات المذكورة (مجلس القضاء الأعلى، نقابة المحامين، غرف التجارة والصناعة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي) 3 أشخاص عن كل مركز عضوية فيكون عدد المرشحين 21 ويختار مجلس الوزراء منهم 7 أعضاء. يرأس المجلس وينوب رئيسه القاضيان المعيّنان، لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط من حيث المبدأ، مع وجود بعض الاستثناءات التي نصّ عليها القانون. ويكون رئيس المجلس حكماً رئيس الهيئة. غني عن القول إنه من دون تعيين أعضاء هذا المجلس وفقاً لمعايير الكفاءة والاستقلالية والنزاهة تغيب المنافسة العادلة»، تقول التيني.
«فهو الذي يقدّم الاستشارات في ما خص تحديد أسعار السلع والخدمات، ويؤخذ رأيه بخصوص مشاريع القوانين والأنظمة التي لها تأثير على المنافسة. كما للمجلس أن يضع يده عفواً أو بناءً لشكوى على المخالفات المخلّة بالمنافسة وأن يحقّق فيها ويصدر بشأنها قرارات زجرية. منها: وقف الممارسة، وتصحيح العيب، وإخضاع الممارسة للقيود والإقفال، وإحالة ملف العمل المخلّ بالمنافسة الى النيابة العامة في حال وجود جرم جزائي. هذا بالإضافة إلى فرض الغرامات المالية وفرض تدابير تحفظية، كوقف الممارسة المشكو منها وإلزام المعنيين بالرجوع الى الوضع السابق. قرارات المجلس تقبل الطعن بالاستئناف أمام المحكمة المختصة ضمن مهلة 30 يوماً من تاريخ التبليغ بالنسبة للفرقاء المعنيين ومن تاريخ النشر بالنسبة إلى الأشخاص الثالثين. وهذا الطعن لا يوقف تنفيذ قرارات المجلس إلا إذا قرّرت المحكمة ذلك. والمحكمة تبتّ بالطعن المقدم أمامها ضمن مهلة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ تقديمه، ويمكن لها أن تمدّدها لفترة 6 أشهر إضافية ولمرة واحدة فقط وبقرار معلل. قرار المحكمة الذي يصدر نتيجة النظر بالطعن المقدم هو قرار نهائي ومبرم ولا يقبل أي طريق من طرق المراجعة.
جهاز التحقيق معطّل أيضاً
بالإضافة إلى مجلس المنافسة تتكون الهيئة الوطنية من جهاز التحقيق. وهو الجهاز الذي يناط به التحقيق ويضمّ مقرراً عاماً ومعاونين يتولون القيام بأعمال التحقيق في القضايا والملفات المعروضة على الهيئة. يباشر المعاونون التحقيق في المخالفات المخلّة بالمنافسة المشكو منها تحت إشراف المقرر العام وبموجب تكليف من المجلس أو رئيسه. و»ما ينقص اليوم بطبيعة الحال، هو صدور قرار عن الهيئة الوطنية للمنافسة يُحدّد دقائق تطبيق أصول التحقيق وإجراءاته. لأنّ القانون أناط صدور هذا القرار بالهيئة»، تقول التيني. و»يتم تحديد ملاك الجهاز ونظامه الداخلي بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الاقتصاد المُسنَد الى توصية مجلس المنافسة. وهذا لم يحدث لغاية اليوم». أما بالنسبة إلى الجهة الثالثة التي تؤلف منها الهيئة، فهي أمانة السر. حيث تُعيّن الهيئة أميناً للسر ويتمّ اختياره استناداً الى دراسة طلبات ترشيح مقدمة نتيجة إعلان في 3 صحف محلية وعلى الموقع الالكتروني للهيئة. ومن البديهي أن هذا الإجراء المرتبط بتأليف الهيئة الوطنية، ما زال معلقاً.
معدل مرتفع للهيمنة
على الرغم من الضمانات التي وضعت في القانون لحماية بعض كبار المحتكرين، فإن وضعه موضع التنفيذ ما زال معطلاً لأسباب لا يعلمها إلا المعرقلون ومن يدور في فلكهم. فالمادة الخامسة من قانون المنافسة على سبيل المثال تضمن استمرار العمل ببعض الوكالات الحصرية لمدة 3 سنوات، مع إعطاء الوكلاء حق التقاضي. أما المادة 9 منه فقد حددت وضعية الشخص المهيمن في السوق، سواء كان مورداً أم مشترياً لنوع معين من السلع أو الخدمات التجارية، إذا كانت حصته في السوق المعنية لا تقل عن 35 في المئة. وهذه النسبة مرتفعة جداً. لانها تتيح لشركتين أو ثلاث السيطرة على السوق بدلاً من أن تكون شركة واحدة. وهو الأمر الذي يعيدنا إلى مربع الاحتكار الأول»، وفق مصادر جمعية حماية المستهلك. ومن الممكن لشركة كبيرة أن تفرخ شركة ثانية باسم مغاير للسيطرة على كامل السوق.
مهام واسعة
تخضع «الهيئة الوطنية للمنافسة» وفق القانون إلى وصاية وزير الاقتصاد والتجارة ولرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة. ويكون مركزها بيروت وتتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة والاستقلال المالي والإداري. وقد أناط القانون بهذه الهيئة مهام واسعة لتراقب عملية التنافس الحرّ. ومن أهمها: إعداد مشاريع المراسيم والأنظمة المتعلقة بتطبيق أحكام هذا القانون، وتقصّي المعلومات للكشف عن الممارسات المخلّة بقواعد المنافسة، وتلقي الطلبات المتعلقة بعمليات التركيز الإقتصادي ومراقبتها وإصدار القرارات بشأنها.
إشكاليات التطبيق
النقطة التي لا تقل جدلية عن غيرها في قانون المنافسة تبرز في الفقرة الرابعة من المادة رقم 5 التي تقول: «يحق لممثل تجاري سابق في حال تدوين إشارة حكم مبرم بالتعويض عليه على صحيفة الشركة التي كان يمثلها أن يبلغ مضمون الحكم المبرم المدوّن الى إدارة الجمارك كي لا يسمح بتخليص البضائع المستوردة من إنتاج الشركة المحكومة، ما لم تكن البضاعة قد شُحنت الى لبنان بتاريخ سابق على تدوين إشارة الحكم المبرم وعلى إبلاغ إدارة الجمارك، إلا بعد أن يبرز مستوردها إفادة تثبت رفع الإشارة عن صحيفة الشركة، شرط أن لا تتعدى مدة منع إدخال البضائع في جميع الأحوال ثلاث سنوات من تاريخ صدور الحكم المبرم ووضع إشارته». وبرأي التيني فإن هذه المادة تتضمّن التباساً، ذلك أن اعتبار النص أنّ الوكيل الحصري للشركة هو «ممثل سابق» فيه خطأ بحق الوكيل، لأن هذا الوكيل يمكن أن يكون مستمرّاً بوكالته، بالوقت الذي يجوز لغيره استيراد البضاعة نفسها من الشركة. كما أنه من الصعب جداً إثبات الضرر.
تفشيل الإصلاحات المطلوبة في قانون المنافسة لن يعرقل بلورة الاتفاق مع الجهات الدولية ومنها صندوق النقد فحسب، إنما سيكون له بالغ الأثر على حياة المواطنين اليومية. حيث ستستمرّ عشوائيات الأسعار في الكثير من القطاعات نظراً لغياب المنافسة العادلة.