مصير الودائع.. بيد من؟
كتبت باسمة عطوي مقالاً نشر في صحيفة “نداء الوطن”, جاء فيه:
على مرمى حجر من مجلس النواب، أعلن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، من على منبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أمس، أن الإجابة عن سؤال حول مصير الودائع هي في جعبة النواب الذين عليهم تشريع القوانين التي تجيب عن سؤال يقضّ مضاجع اللبنانيين عموماً والمودعين خصوصاً، “هل سنحصل على وديعتنا ومتى؟”.
كرّر منصوري أنه “لا يملك الإجابة عن هذا السؤال، وأنه سئم المطالبة بتنفيذ الإصلاحات كي لا تتحوّل الى مجرّد شعارات شعبوية”، وأظهر في المقابل أنه يمارس سياسة شراء الوقت لأنه لا يملك إقرار الحلول الجذرية، أي الإصلاحات، مشدداً على أنها “لا يمكن أن تتم إلا عبر ورشة عمل مشتركة بين الحكومة ومجلس النواب والمصرف المركزي معاً، فالقوانين في مجلس النواب هي التي ستجيب عن الأسئلة حول مصير أموال المودعين”.
كلام منصوري التقني، قابله كلام صريح من قبل ممثلي القطاعات الاقتصادية والنقابية التي حضرت لقاء عمل تشاركياً دعا اليه المجلس، حيث أجمع كل ممثلي القطاعات والنقابات على أنه “لا يمكن الاستمرار بسياسة الترقيع وتأجيل الاستحقاقات، لأن الانفجار آتٍ لا محالة وسيصيب الجميع حتى القطاعات التي تخلق لنفسها نوعاً من التوازن كالقطاع السياحي مثلاً، كما تم نقاش ملف إعادة التوازن الى تعويضات نهاية الخدمة ولا سيّما صندوق الضمان الاجتماعي”.
في هذا الشقّ من اللقاء طلب منصوري من القطاعات العمالية والنقابات والمطالبين بإنصاف تعويضات نهاية الخدمة “أن يتقبلوا منه الأمور كما هي أي أن يتيقّنوا أن مصرف لبنان ليس وحده المسؤول عن الإجابة عن هواجس هذه القطاعات”، واعداً إيّاهم بأن “أي حل يدخل في صلاحيات المركزي سيبذل جهده لإقراره وإنصاف أصحاب الحقوق، لكن خارج هذه الإمكانيات يجب الضغط ليس على مصرف لبنان بل أن يضغطوا معه لإيجاد الحلول المناسبة والشاملة”.
أضاف: “أعدكم أنه لن تكون هناك استثناءات لصالح أي قطاع من قبل المصرف المركزي، وحين أرفض إقراض الدولة أقدّم لها اقتراحات وهذا ما أقوم به، ولكن كمجلس اقتصادي اجتماعي لكم دور أساسي في إيجاد الحلول ووضع إطار قانوني لها”.
وحول الدور المفترض لمنصة بلومبيرغ قال: “من يحافظ على الاستقرار النقدي ويسهر على هذا الأمر لن يتخلى عن هذا الدور، أؤكد لكم أن منصة بلومبيرغ ضرورية لأنه يجب الخروج من اقتصاد الكاش، وقريباً سيكون هناك اجتماع من قبل وكالات التصنيف العالمية لتحديد تصنيف لبنان، علماً أننا لم نخرج من المنطقة الرمادية، لذلك يجب اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنصاف هذا القطاع، وهناك مصارف مراسلة جديدة ستبدأ بالتعامل مع القطاع المصرفي اللبناني، وهناك دول جديدة يتم التعاطي معها. الثقة تزيد بلبنان ومنصة بلومبيرغ ستعتمد على آليات شفافة وواضحة وستسمح بالخروج تدريجياً من اقتصاد الكاش”.
بعد اللقاء تحدّث منصوري أيضاً في مؤتمر صحافي للإعلاميين، أوجز فيه سياسة المصرف المركزي المقبلة، فقال: “عادة أعقد في أواخر كل شهر مؤتمراً صحافياً لأطلع الرأي العام اللبناني على آخر التطوّرات الحاصلة في المركزي، لم أعقد مؤتمراً في شهر أيلول لسبب رئيسي لأنه لا شيء لدي لأزيده عمّا أعلنته سابقاً في ما يتعلق بالإصلاحات المطلوبة”، معتبراً أن “المطالبة بالأمر نفسه مرّات متكررة يتحوّل من مطالبة محقة الى مطالبة شعبوية، وأنا أرفض أن أمارس أي نوع من أنواع الشعبوية وهذا هو أيضاً موقف زملائي في المجلس المركزي ولهذا سأعيد اليوم العناوين والقواعد التي طبقناها في المرحلة الماضية”.
وأكد منصوري أن “الدولة اللبنانية ستستمرّ بدفع رواتب القطاع العام بالدولار الأميركي، ونحن كمصرف مركزي نوافق على هذه الآلية من منطلق نقدي بحت لأنه يؤمّن استقراراً معيشياً واجتماعياً لـ400 ألف عائلة لبنانية ويحافظ على الاستقرار النقدي الذي يسعى المركزي لتحقيقه”، موضحاً أن “هذه الأموال المدفوعة هي بالكامل من الدولة اللبنانية ومن مداخيلها، والمصرف المركزي منذ 1 آب 2023 لم يموّل مستحقات الدولة بدولار واحد وسيستمرّ بهذه السياسة، والنشرة التي تصدر عن المركزي شهرياً توضح السياسة الداخلية للمصرف، بمعنى أنه إذا كنا نجحنا في تجميد الحالة المالية والنقدية الى حدّ ما بانتظار حصول حلول، إلا أن هذا الأمر لا يمكن أن يستدام وهذا أمر نكرّره دائماً”.
وأشار الى أنه “لا بدّ من إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية في لبنان، ولا يمكن لأي طرف الاستمرار على هذه الطريقة، ولا يجوز ألا تكون لدى حاكم المصرف المركزي إجابة حين يسأله مودع متى موعد الحصول على وديعته، وهذا الأمر أعود وأؤكد عليه على الرغم من كل الانتقادات التي توجّه لي لأني مسؤول”.
أضاف: “لا أحد يقول إنه لا يمكن تحديد إجابة، إذا عملنا معاً، يداً بيد يمكن أن نجد إجابة عن هذا السؤال. المسؤولية مشتركة وأنا أول شخص مسؤول والمسؤولية الثانية هي على الحكومة والبرلمان والطبقة السياسية، ولا يجوز أن يكون هناك مودع لا يمكنه تعليم أبنائه في الخارج لأن وديعته محجوزة، فإذا كانت الأموال موجودة يجب أن تكون متاحة لكل المودعين، وإذا كان عليها لغط يجب أن نحدد ما هو هذا اللغط الموجود وإذا كانت ستعود لأصحابها يجب وضع الآلية لاسترجاعها”.
من جهة أخرى شدّد منصوري على أن “من يؤمّن الرواتب للقطاع العام هي الدولة اللبنانية، ومقدار الجباية في الشهر الماضي كان 20 تريليون ليرة، وفي الشهر الحالي هو 20 تريليون وإذا استمرّ الأمر على هذا المنوال فهذا يعني حاجات الدولة الأساسية مؤمنة ويمكن الحصول على استقرار نقدي مقبول ولكنه يبقى هشاً من دون حصول تسوية سياسية”.