سائقو سيارات الأجرة يتخبّطون: هل نرفع التعرفة؟
بينما ينشغل الجميع بقراءة نتائج الانتخابات النيابية وما ستؤول إليه في المرحلة القادمة، تزداد أزمة النقل البري حدّة. تلقّى سائقو الأجرة والركاب وكلّ من يمتلك وسيلة نقل ضربتين على الرأس أوجعتاهم. الأولى زيادة 35 ألفاً على سعر صفيحة البنزين ليبلغ 542 ألفاً، مع «التبشير» بزيادة ثانية وشيكة. والثانية «جنون» الدولار الذي استمرّ في الارتفاع متجاوزاً الـ31 ألفاً حتى كتابة هذه السطور… ما يعني بالنسبة إلى السائقين زيادة في أسعار قطع الغيار المسعّرة بالدولار الأميركي.
ليست هذه الأخبار جديدة على اللبنانيين. صارت جزءاً من يوميات الأزمة. في ما يخصّ أزمة «السرفيسات»، يعيش المتضرّرون مجدّداً المرحلة الأولى التي تُسمى «التخبّط». يحتار السائقون في تحديد التعرفة المناسبة، ويفاجأ الركاب غالباً بارتفاع كلفة النقل، والتي تتبدّل باستمرار. «غيبوية» الجهات الرسمية ونقابات النقل البري تفسح المجال أمام الفوضى في التسعير، إلا أن السائقين أدركوا تماماً أنه «كلما زادت التعرفة نفقد الكثير من الركاب».
وفق ما هو متداول حتى الآن، لا تزال تعرفة «السرفيس» 30 ألفاً للوجهات القريبة. لكن يبقى هناك من يرفعها «على ذوقه»، خمسة آلاف أو عشرة آلاف ليرة. دفعت نور، أمس، 50 ألفاً من كفرصير إلى النبطية. انتظرت السائق أن يردّ لها 10 آلاف، فلم يفعل مبرّراً: «ألا تعيشين في هذا البلد؟ سعر البنزين ارتفع والدولار كذلك».
يشكو سائقو الأجرة مصلحة «كلّها خوف وقلق وخسارة»، على حدّ تعبير علي. أمس، نزل كعادته إلى الشارع بحثاً عن الركاب فلم يجد إلا قلّة. «الناس أفلسوا في النصف الثاني من الشهر، خاصة أنهم أنفقوا رواتبهم في أوّله لإحياء العيد»، هكذا يفسّر حركة الناس التي تحدّد ما إن كان عمله «ناراً أم ميتاً». عاد الرجل الخمسيني إلى منزله بعد 9 ساعات من العمل منفقاً 150 ألفاً من جيبه لأن «الغلّة» بلغت 200 فيما وصلت كلفة البنزين المصروف إلى 350.
«ما بتوفّي»، يكرّر سائقو الأجرة كلّما سألتهم عن التعرفة الحالية. لكنّ الناس أيضاً لا يمكنهم أن يتحمّلوا زيادة إضافية على كلفة المواصلات، خصوصاً أن بدل النقل لا يزال على حاله (64 ألفاً لموظفي القطاع العام و65 ألفاً في الخاص). لذا، عاد كثير من السائقين إلى بيوتهم باكراً، أمس «بانتظار حلّ ينصفهم ولا يكون مجحفاً بحق الركاب».
«متى كنا ندفع مليوناً ونصف مليون لتعبئة السيارة»؟ يُصدم أحدهم من المبالغ التي ينفقها في محطة الوقود. وتروي أخرى كيف صرخت بالرجل الذي يملأ السيارة: «توقف»، بعدما قرأت الرقم 700 في الشاشة المقابلة. هي نفسها طلبت منه أن «يفوّلها» لكنها لم تتوقع تكلفة كهذه. الحال تبدو أصعب بالنسبة إلى السائقين العموميين الذين يمرّون بالمحطة يومياً، وفي كلّ مرة يعيشون الصدمة من جديد. فهذه «الأسعار الخيالية التي ننفقها لتعبئة البنزين نحصل عليها بشقّ الأنفس»، بحسب أحدهم.
الخوف من صرف البنزين يجعل السائقين كالسمكة التي لا تغادر الماء، يدورون في رقعات واحدة ولا يقلّون ركاباً إلى مناطق بعيدة. انتظرت فاتن، على غير عادة، نصف ساعة لتجد سيارة أجرة توصلها من برج البراجنة إلى عملها في الحمرا، «وحدها سيارة قديمة ومهترئة ذات أبواب لا تُقفل بالكامل رضيت أن توصلني»، كما تقول. السائق نبّهها: «ليكن في حسابك، من الغد التعرفة ستكون 35 ألفاً». ثم راح يتمتم: «اعتياد الناس على تعرفة 30 ألفاً بعد الـ25 استغرق منهم أسابيع، فكم سيحتاجون من وقت للاعتياد على تعرفة 35 ألفاً؟»