بلا رموش وماسكرا… وتزيين بالشهر مرّة!
كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”:
“بلا ولا شيء… بلا رموش وماسكرا”. مضطر الرجل ان يحب المرأة اللبنانية هكذا، في ظل هذه الظروف الاقتصادية. فالمعاناة ضخمة، والمسؤوليات كبيرة على العازبة كما المتزوجة. لكن هل المرأة تشعر بالراحة الجسدية والنفسية، مع ارتفاع تكاليف “ملامح الأنوثة”، التي كانت تتغنى بها في وقت سابق، واشتهرت بها المرأة اللبنانية عربياً وعالمياً على وجه الخصوص؟
متطلبات المراة كثيرة، هكذا اختصرت كوزيت دكاش حال المرأة التي تقاوم الظروف الاقتصادية. هذا، ان حاولت ان تغير في شكلها الخارجي كي تخفف من التعب النفسي. “حتى هذا حرمت به في لبنان، ترضى بالقليل” على حد تعبيرها. فكوزيت تناسب قدرتها الشرائية والاولويات المرتبطة بالوضع الاقتصادي، اذ ان المبالغ الطائلة التي تسعر بها الملابس والملابس الداخلية حرفت الانتباه الى الأقل سعراً على حساب الراحة الجسدية، لتلبي المرأة نفسها، حتى لو كانت هذه التفاصيل لا تظهر الى العين المجردة. فتلجا بدورها الى ما هو موجود في المنزل من الملابس وتصلّح البعض الآخر.
آرليت (مالكة محل ملابس داخلية في عمشيت) تسعّر الملابس الداخلية بالدولار، وتبدأ الأسعار من 3 دولار وتصل الى 12 حسب النوعية. تخبر عن استراتيجية لعرض البضاعة، فالقطعة التي تتخطى عدداً من الدولارات، لا تشير تعرضها للزبونة. بعض الزبائن لديهم حسرة لعدم قدرتهم على الشراء، فغيروا في أسلوب اللباس اليومي للتوفير والاستفادة الأقصى من قطعة الملابس التي لديهم، للتوجه الى العمل وتأمين مصروف الأولاد وهو تشاركي مع الزوج. تركز المرأة على مظهرها الخارجي، كنوع من مقاومة الظروف الاقتصادية على قساوتها، وتحاول ان تميز نفسها بأدوات التبرج الارخص من تلك التي كانت تستعمل في وقت سابق، ويصل سعرها الى المئات من الألوف بالليرة اللبنانية بدل دولار او دولارين.
الصعب في القضية اليوم، ان حتى الفتاة في اول عمرها، التي من المفترض ان تشبه الفراشات، تعيش كهمّ المتزوجة مع أولاد، فتفكر بالغاز وسلسلة من الفواتير، التي في بعض الأحيان تمنع بعض النساء كما سمارا من اتباع حمية غذائية. والسبب؟ لأن تكلفة الزيارة الأولى لاخصائية التغذية، تصل الى 400 الف والمراجعة، وهناك نظام الاكل المكلف جداً من السكر الخاص بالحمية الذي يصل سعره الى 100 الف ليرة كل 15 يوماً والحليب الخالي من الدسم وسعره 300 الى 400 الف ليرة، كما النظام القليل السعرات الحرارية والاتكال على الحبوب واللحوم المرتفعة الثمن والبروتين. تشرح سمارا ان الالتزام بالحمية مع نظام “التعصيب” شبه مستحيل
الاعتقاد بان لا حمية غذائية من دون تكاليف باهظة أمر شائع تؤكد اخصائية التغذية لاميس يوسف، التي تلفت الى انه يمكن المباشرة بنظام بمأكولات قليلة الثمن، لكن المهم هو النتيجة وليس المدة الزمنية. معظم زبائنها من النساء لا يستهدفن فقط رفاهية فقدان الوزن، بل هناك من تستبدل الأدوية بنظام غذائي فبدل دفع فواتير أدوية الكوليستيرول، يمكن التقليل من الدهون بنظام رصين. اذاً الرفاهية بمكان والصحة بمكان آخر. اذ تدفع الدورة الشهرية عند المرأة، التي هي طبيعية بيولوجياً، بعض النساء الى تسوّل فوط صحية من ناشطات اجتماعيات كـ ميا فرح التي تروي عن مآسي بعض النساء مع الأزمة الاقتصادية، فأن تطلب بعض النساء المساعدة لتأمين فوط صحية التي يصل سعرها، بعد ان سالت “نداء الوطن” بعض المتاجر الى 50 الف ليرة، وإن كان لبعض النساء حساسية على الارخص وهسعره حوالى 20 الف ليرة أمر ليس بالسخيف، فتسأل ميا: “هل تجرّ هذه الطبقة السياسية نساء لبنان الى الانحراف لتأمين الحاجات النسائية البديهية؟”.
تفسر الدكتورة في العلوم الاجتماعية غولنار واكيم أن المرأة مُسّت في هذه الأزمة على مستويات متعددة، اذ ان الطبقة الوسطى هي المتأثرة مباشرة، أي المعلمات وموظفات المصارف والممرضات، هذه المهن التي كانت تشكل الوظائف الأمينة والآمنة للمرأة، ففي هذه القطاعات كانت المرأة تستفيد من الضمان وتفيد عائلتها. ومع تدهور العملة تأثرت على مستوييين على حد توصيفها: أولهما الراتب الذي لا قيمة له والعمل بالمنزل وقع كله بعد ذلك على عاتق المرأة، ولا يمكن تأمين عاملة منزل، كما كان يحدث سابقاً بسبب سعر الصرف، ليكون راتب العاملة أعلى من راتب الموظفة اللبنانية، مما راكم المسؤوليات المنزلية على كاهل النساء. ونتيجة كل هذه التشعبات بسبب الوضع الاقتصادي، تراجع سلم تقسيم الأدوار داخل المنزل بين الرجل والمرأة، اذ ان مشاركة الرجل في المنزل اصبحت اقل من قليل. من هنا تتكثف الضغوطات على المرأة على حد تعبيرها، لان العقلية لم تتغير بالنسبة الى الأفكار النمطية حول دورها في المنزل، حتى لو تخصصت في ارقى الجامعات، لذا يضطر بعضهنّ الى ترك العمل للتفرغ لتلك داخل المنزل.
تضيء د. واكيم على معاناة الشريحة الأكثر فقراً وعلى الإشكالات المتعلقة بـ”الكرامة الإنسانية” خصوصاً في ما يتعلق بالفوط الصحية، ولا توجد إحصاءات حول هذه المسائل للتدقيق بالحلول او ما يعرض من حلول، هكذا تتحمل المرأة عنفاً كبيراً في المنزل ومؤشر الانتحار في دراسات الجامعة الأميركية اكبر دليل على هذا الواقع.
ماذا يبقى للمظهر الخارجي بالنسبة الى الموظفة اذا؟ تخصص ماري فهد (موظفة) بعد ان تدفع كل الفواتير، ما تبقى لها من راتبها، للشؤون النسائية أي ما يعادل 200 الف، علما انها تخلت عن الكثير من “الكماليات” النسائية، نسبة الى هذا الظرف، فتبحث عن الصباغ الارخص، لتلون به شعرها في المنزل وتقلص هامش فاتورة الحلاق التي قد تصل الى الـ 700 الف ليرة بين قصّ، وتخصيل، وتمليس، هذا بالنسبة الى مصففي الشعر الذين يزورون الزبائن في المنزل. اما مصفف الشعر الذي يعمل في محله، فتحول الى ترف مع منطق “التجارة بالنساء”. تخلى بعض النساء اللبنانيات، عن العادات التي كانت تميزهن، فيردد بعضهن ان الأولوية للأولاد او أغراض المنزل. هكذا يشهد رافي الحاج (حلاق نسائي) ان وتيرة حركة النساء في محله الى انحسار، فالتي كانت تصبغ كل شهرين مرة اصبحت تفعل ذلك كل 3 اشهر. اما التي كانت تصفف شعرها مرة في الأسبوع فاصبحت تفعل ذلك في الشهر مرة. أمام كلفة طلة العروس التي تصل الى 4 ملايين ليرة، تتبرج تلك نهار الزفاف كما تتبرج السيدة في يومها العادي عند خبيرة التزيين. تخبر خبيرة التزيين جيهان فخري التي ترفض ربط الشكل الخارجي بالقدرة المالية كيف انها بعد جولة على زملاء المهنة، خفّضت من الفواتير، على قدر سعر البضاعة، وجدولت روزنامة الخصومات لتسيّر أمور محلها والنساء. سائلة: هل هكذا تترك المرأة اللبنانية لتصارع الدهر، بيد شققتها مصائب قوم السياسة؟