عناصر داعش لدى قسد.. بين الخطوات التصعيدية والمطالبة بمحاكمة دولية
جددت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” دعوتها لإقامة محكمة دولية خاصة لمقاضاة عناصر داعش المعتقلين في معسكرات تشرف عليها هذه القوات، وسط تحذيرات من محاولات التنظيم تنظيم صفوفه عبر تجنيد الأطفال.
وقال مسؤول المكتب الإعلامي في (قسد)، فرهاد شامي، في حديث لموقع “الحرة”، إن هناك نقاشات مستمرة من قبلهم مع التحالف الدولي والوفود الأجنبية التي لها رعايا في سجون الإدارة الذاتية لتوفير آلية معينة لمحاكمة عناصر داعش، أو البحث عن طريقة قانونية مناسبة للتعامل معهم.
وتابع شامي: “اقترحنا إنشاء محكمة دولية مستقلة على أراضينا حيث ارتكب هؤلاء العناصر جرائمهم هنا، وعلى الرغم من تمكننا من إقناع كثير من الأطراف وحثهم على دعم هذا المقترح، إلا أنه ليس هناك اتفاق نهائي بهذا الخصوص إلى الآن”.
وعن أهمية إنشاء هكذا محكمة، اعتبر شامي أن قضية المعتقلين، وكذلك المخيمات إحدى أهم الملفات التي يستند عليها داعش في نشاطه الدعائي لتجنيد الارهابيين، وتشجيع خلاياه على تنفيذ العمليات الإرهابية، وإحدى القنابل الموقوتة التي من الممكن أن يستفيد منها التنظيم الإرهابي مستقبلاً في إعادة بناء هياكله وخلاياه.
مضيفا أن الإصرار على إنشاء محكمة دولية مستقلة في شمال وشرق سوريا لمحاكمة عناصر داعش ينبع من: “حرصنا على ضمان محاسبة عادلة للعناصر المتورطة في الأعمال الإرهابية وتعزيز الحماية للضحايا، وكذلك تعزيز الصلح الأهلي من خلال مسائلة حقيقة للمجرمين” قال شامي.
دعم الملاحقة القضائية
بشـأن موقف التحالف الدولي لمكافحة داعش من مساعي قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لإقامة محكمة دولية ومقاضاة معتقلي داعش، قال الناطق باسم قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب، الكولونيل، واين ماروتو، لموقع “الحرة” إن التعليق على الإجراءات القانونية في شمال شرق سوريا هو “أمر خارج نطاق مهمة التحالف الدولي”.
لكنه أكد أن التحالف الدولي “يدعم الملاحقة القضائية لعناصر داعش لتقديم من ارتكب جرائم إلى العدالة، وهم ملتزمون بضمان أن يرى ضحايا داعش ذلك، من خلال التعاون لتعقب المقاتلين الإرهابيين، ومن خلال دعم جهود المنظمات الدولية مثل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش (يونيتادUNITAD )”.
كما نوه ماروتو إلى استمرار التحالف في التعاون مع شركائهم والمنظمات الدولية والقادة الحكوميين لدعم جهود إعادة المعتقلين الأجانب إلى أوطانهم لضمان عدم عودة داعش للظهور.
وأضاف أن ” على المجتمع الدولي أن يواصل مضاعفة جهوده لإعادة من تبقى من المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين ما زالوا ينتظرون إعادتهم إلى أوطانهم، هؤلاء ينتمون لأكثر من 50 دولة، مع مجموعة متنوعة من القواعد والقوانين، لذلك يقر التحالف بأن الأمر متروك للدول بشكل منفرد لتحديد أسلوب تعاملها مع المقاتلين الإرهابيين الأجانب”.
ومطلع الشهر الجاري عُقد لقاء بين وفد من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وممثلين عن الخارجية الأميركية، وعن عدد من الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي.
وبحسب بيان للإدارة الذاتية، فإن هذا اللقاء تناول ملف عناصر تنظيم داعش وعوائلهم القاطنين في المخيمات وبصورة خاصة مخيم الهول.
وجاء في البيان: “نطالب بدعم الإدارة لتحقيق العدالة وضرورة تشكيل محكمة عادلة لمحاكمة مقاتلي داعش والنساء اللواتي ارتكبن الجرائم في مناطق الإدارة، وتعويض ضحايا الإرهاب والمتضررين من الإرهاب (عوائل الشهداء والأطفال اليتامى، وجرحى الحرب وذوي الإعاقات الدائمة)”.
ترقب لمحاكمة “الأجانب”
وأشار فرهاد شامي إلى استمرار محاكمة العناصر المحلية من داعش، أما بخصوص العناصر الأجنبية فإنهم سيبقون على تواصل مستمر مع دولهم لاستعادتهم. إلا أن مصدرا قضائيا كشف لموقع الحرة عن أن الادارة الذاتية ستبدأ بمحاكمة عناصر التنظيم الأجانب في حال فشل جهود إقامة محكمة دولية لهم.
وتواصل محكمة الدفاع عن الشعب في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بمحاكمة السوريين المتهمين بقضايا الإرهاب ومن بينهم عناصر تنظيم داعش الحاملين للجنسية السورية. وجرى حتى الآن البت في ملفات قرابة 9000 معتقل ينتمون إلى التنظيمات المصنفة إرهابية، منذ أن تم تشكيل المحكمة عام 2014 وفقاً للمرسوم (20) الصادر عن الإدارة الذاتية، والذي يتضمن عدد من المواد التي يحاكم بموجبها المتهمون بقضايا الإرهاب.
وبحسب مصدر قضائي في المحكمة (فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية) فإنه لكل متهم الحق في الدفاع وتوكيل محام، أما الأحكام الصادرة فهي “تبعا للجرائم التي ارتكبها هؤلاء الارهابيون، تتفاوت بين سنة كحد أدنى والمؤبد من دون تطبيق عقوبة الإعدام”.
ونوه المصدر إلى عدم مقاضاة أي من معتقلي تنظيم داعش الأجانب حتى الآن، غير أن الإدارة الذاتية اتخذت مؤخرا قرارا بالبدء في محاكمة هؤلاء الذين يزيد عددهم عن 11 ألفا وينتمون لأكثر من 50 جنسية من مختلف دول العالم.
وعن الأسباب التي دعتهم لاتخاذ هذا القرار أشار المصدر أنه منذ تحرير الباغوز آخر بؤرة لتنظيم داعش وإعلان الانتصار العسكري، “تم توجيه نداء إلى المجتمع الدولي وتحديدا إلى دول التحالف الدولي لتشكيل محكمة دولية خاصة لهؤلاء الأجانب”.
وأضاف أنه “رغم اللقاءات الكثيرة مع كل الوفود التي زارت شمال وشرق سوريا وقامت بالاطلاع على أوضاع هؤلاء الموقوفين الأجانب وأوضاع عوائل عناصر التنظيم وأطفالهم في المخيمات، إلا أنه كان هناك صمت حيال هذه الأمور وإلى الآن لم يتم اتخاذ أية خطوة من قبل المجتمع الدولي في هذه القضية”.
وقال: “لذلك اتخذت الإدارة الذاتية هذا القرار (البدء بمحاكمة معتقلي تنظيم داعش الأجانب) لأنه لا يحوز الاستمرار بحجز هؤلاء الارهابيين مدة طويلة بدون محاكمة”.
عقبات لوجستية وقانونية
وعن سير المحاكمات في قضايا الإرهاب التي ارتكبها عناصر تنظيم داعش والصعوبات التي تواجه العمل القضائي، بيًن المصدر: “نواجه قلة عدد كوادر الهيئة القضائية وضعفاً في الامور اللوجستية والبنائية، فلا توجد لدينا سجون كبيرة ورسمية لاسيما مع وجود أعداد كبيرة من المعتقلين من عناصر تنظيم داعش، كما أن قاعات المحكمة صغيرة وغير ملائمة”.
في ذات السياق ولتلافي هذه الصعوبات طالب شامي بضرورة توفير الحماية الدولية لمناطق شمال وشرق سوريا، من أجل إنشاء محكمة دولية والمساعدة في توفير غطاء قانوني داخل المنطقة، منوها للمتطلبات التقنية والمادية لإنشاء المحاكم وتدريب القضاة المحليين والدوليين ومراقبة الجلسات، وكذلك حماية الأدلة والضحايا. معتبرا أن ” دعم فكرة إنشاء المحكمة الدولية هو الأساس لأي نجاح في حلّ هذه القضية وترسيخ النصر الذي حققناه على داعش والقضاء عليه بدعم من التحالف الدولي”.
محاولات من داعش للعودة عبر تجنيد الأطفال
وفي موضوع ذي صلة أشار شامي إلى قيام قوات “قسد” بإعادة تنظيم سجلات معتقلي داعش وإصلاح التقنيات الأمنية ضمن المهاجع في السجون ومراكز الاعتقال، إضافة لاتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية المناسبة، حيث كانت هناك محاولات هروب جماعية لعناصر التنظيم المعتقلين.
وقال: “تمكنت وحداتنا من كشف فتحات في جدران المهاجع التي تربط مهاجع مرتزقة داعش مع تلك التي يحتجز فيها أشبال التنظيم الإرهابي، أنشأها المرتزقة للتسلل إليها وإعادة تدريبهم على الفكر المتطرّف، حيث اتخذت وحداتنا التدابير اللازمة لمنع ذلك”.
حول آليات التعامل مع هؤلاء الأطفال، اعتبر الكولونيل ماروتو أن استخدام داعش للأطفال كجنود ينتهك العديد من القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان، مبيناً أن الاستقرار هو مفتاح الحل.
وقال عن التحالف “يدعم جهود المجتمع الدولي في هذا المسعى. لأنه بدون الخدمات الأساسية، وتطوير التعليم وفرص العمل، من المرجح أن يتم تجنيد الأطفال قسراً من قبل مقاتلي داعش أثناء محاولتهم تنشيط شبكات إعادة إحياء التنظيم”.
وعلى الرغم من إعلان قوات سوريا الديمقراطية هزيمة تنظيم داعش في مارس 2019 وذلك بدعم من التحالف الدولي، إلا أن خطر التنظيم لا زال قائما عبر نشاط خلاياه النائمة في مناطق شمال شرقي سوريا، أو بعض الجيوب التي لازالت خاضعة له في مناطق سيطرة القوات الحكومية السورية وفي العراق، ليضاف ذلك إلى مخاوف إعادة معتقلي داعش وعوائلهم تنظيم صفوفهم سواء أولئك المعتقلين في السجون أو الموجودين في المخيمات، وهو ما تحذر منه الإدارة الذاتية في دعواتها المتكررة للدول بإعادة رعاياها أو دعم جهود إقامة المحكمة الدولية.