أجهزة دوليّة تعرف أسباب انفجار المرفأ… فهل دقّت ساعة الحقيقة؟
كتب أنطون الفتى في وكالة “أخبار اليوم”:
تمرّ الأيام، وها قد بلغنا الشهر الثالث (غداً) بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت، فيما نتائج التحقيقات لا تزال على مستوى التمنّي والمطالبة.
ماذا يعني تأخير التحقيق في ملف استراتيجي بهذا الحجم، لا نبالغ إذا قُلنا إنه بمستوى أحداث 11 أيلول عام 2001، في الولايات المتحدة الأميركية (ولكن بالنّسبة الى لبنان)؟ وما هي الرسالة التي توجّهها الدولة اللبنانية الى الداخل والخارج معاً، من جراء هذا التأخير، والتي أسوأ ما فيها هو أن كلّ شيء يُمكنه أن يمرّ بلا عقوبة ومحاسبة في لبنان، مهما كان حجمه. ثلاثة أشهر مرّت بلا ملموسات ثابتة، فهل بات بإمكاننا استبعاد الفرضيات الداخلية وحدها، من إهمال وغيرها؟ وهل أصبح مُتاحاً وضع احتمالات لها علاقة بأبعاد خارجية، في ما حصل؟
لو كانت الأمور محصورة بأسباب داخلية، لكان أمكن إيجاد “فتاوى” على الطريقة اللبنانية المعتادة. ولكن ماذا لو كان قول الحقيقة ممنوعاً لأسباب أخرى؟ وماذا لو كانت حقائق المرفأ متروكة لتكون طبقاً ولو جانبياً على مائدة المفاوضات الأميركية – الإيرانية مستقبلاً؟ وماذا لو كان البعض يخاف من الحقيقة، حتى لا تُفتَح عليه أبواب خفايا ما حصل في عين قانا؟
في المحصّلة، قد يكون ضرورياً الإنتقال من المطالبة بالإسراع في التحقيقات، الى المطالبة بإجراء تحقيق حول أسباب التأخير في هذا المسار.
رأى مصدر مُواكِب لكلّ ما يرتبط بانفجار مرفأ بيروت أنه “باتت مُمكناً وضع احتمالات أخرى غير الإهمال والأسباب الداخلية فقط، على الطاولة، وذلك بسبب التأخير الحاصل في هذا الملف على المستوى القضائي”.
ولفت في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى أن “المنظومة اللبنانية بمكوّناتها كافّة، لديها طريقة تقوم دائماً على امتصاص الأزمات الكبرى، بمرور الزّمن. فبعدما احتلّت كارثة المرفأ الشاشات وكلّ المساحات الإعلامية والسياسية والقضائية وحتى الإقتصادية خلال الفترة القليلة التي تَلَت الإنفجار، انتقل الجميع في وقت لاحق الى الغَرَق بتشكيل الحكومة لإنقاذ الوضع الإقتصادي، وذلك رغم أن المبادرة الفرنسية لا تقوم في أساسها على نسيان ما حصل في المرفأ”.
وقال: “ما يسهّل تمييع التحقيقات هو عدم وجود رأي عام يتحرّك ويطالب، إذ بات الشعب اللبناني يتنقّل من مصيبة الى أخرى، صحياً وأمنياً ومعيشياً، منذ أشهر”.
وكشف المصدر أن “لا مصلحة للسلطات اللبنانية بأن تقدّم أي مستند له علاقة بحقيقة تحقيقات المرفأ، في الوقت الراهن. كما أن لا جهة دولية تريد تسليم الدولة اللبنانية الصُّوَر الجوية الضرورية. فضلاً عن أن لا ظروف متوفّرة لإعلان الحقيقة، إذ لا وسائل تمنع الفتنة أو الحرب التي يُمكن أن تتسبّب بها الحقيقة. ومن هذا المنطلق، ترتفع حظوظ ترك الملف ضمن دائرة الشكّ، وهو ما يحصل في دول عريقة أحياناً، بحسب الملفات وحساسيتها. فأجهزة كثيرة حول العالم تعرف حقيقة ما حصل في مرفأ بيروت بالكامل، إذ لا جريمة تحصل إلا ويُعرَف مرتكبها”.
وأضاف: “رغم أنه لا يُمكن استباق نتائج التحقيقات الرسمية، إلا أنه لا يُمكن أيضاً إهمال أمر واقع أن كثيراً من الخبراء حول العالم يؤكّدون أن انفجار مرفأ بيروت حصل نتيجة ضربة عسكرية، جويّة أو ربما عبر صاروخ أُطلِقَ من البحر. ولكن فَتْح هذا النّقاش في اللّحظة الحالية سيتسبّب بمأزق للبنان مع إسرائيل، في عزّ التفاوُض على الترسيم الحدودي البحري، إذ سيتوجّب عليها أن تتحمّل تبِعات ذلك أمام مجلس الأمن الدولي”.
وتابع:”الحقيقة نفسها ستؤول الى مشكلة للبنان مع إيران أيضاً. فإذا ثبت أن تل أبيب استهدفت صواريخ إيرانيّة في مرفأ بيروت، أي داخل منشأة لبنانية رسمية حيوية واستراتيجية، ستكون طهران مُحرَجَة، وسيتوجّب عليها هي أيضاً تحمُّل نتائج ذلك أمام مجلس الأمن، كما أمام الدولة اللبنانية، والشعب اللبناني. وهذا ما سيزيد الضّغوط عليها في شكل كبير”.
وختم: “لو كان وضعنا الإقتصادي مقبولاً، لكان يُمكن الإبقاء على ملف مرفأ بيروت أولوية، والدّفع باتجاه تثبيت ذلك. ولكن التعثُّر الإقتصادي والمالي، الذي يغذّيه التعثّر السياسي أيضاً، يمنع حصول ذلك”.