لبنانمباشر

الثورة صنعت نواباً فهل تصنع رئيساً؟

كتب محمد علي مقلد في “نداء الوطن”:

«من غير إفراط ومن دون تفريط» – من عنوان كتاب لغسان الرفاعي، بدور نواب الثورة، يمكن القول براحة ضمير، إنهم أحدثوا تغييراً نوعياً في تركيبة المجلس النيابي وآليات عمله، مع أن عددهم لا يكفي لتعديل موازين القوى.

لأول مرة في تاريخه تتشكل كتلة من خارج الاصطفافات التقليدية، هي لا يمين ولا يسار، لا جبهة لبنانية ولا حركة وطنية، لا نهج ولا حلف. كتلة لم يأت بها أحد من خارج الحدود أو من خارج إرادة الناس، لا وصاية ولا احتلال ولا محادل.

قوتها من قوة من أتى بها لا من تعدادها.هي تعادل عشرة بالمئة فقط من عديد البرلمان، ولم تتمكن بعد من عقد تحالفات ثابتة مع كتل أخرى. لكنها نجحت، رغم حداثة عهدها وحداثة عهد هذا البرلمان، في التأسيس لفضح مناوراته الرخيصة وتمثيلياته التافهة على الناس وصراعاته المفتعلة التي كانت تموه حقيقة الأزمات اللبنانية المتتالية المستدامة.

عقليات وأشكال صراع ومجالس نيابية كانت تتكرر ولا تعكس كفاءات اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، في العلم والطب والفن والرياضة والاقتصاد. الشعب اللبناني واحد من ثلاثة شعوب في العالم، إلى جانب الشعبين الصيني والأرمني، ملأ أصقاع الأرض بكل أنواع الإبداع لكن ممثليه في البرلمان ظلوا سياسيين صغاراً من أكلة الجبنة.

بحد أدنى من حرية الاختيار، أماط الناخب اللبناني، ولا سيما المغترب، اللثام عن سر الاستبداد المضمر الذي كان يتخفى خلفه لصوص مقنعون، إلى أن جاءت الثورة وكشفت أقنعتهم في الشارع؛ إلى أن جاءت كتلة نواب الثورة وفضحت في قاعة المجلس أباطيلهم وتزييفهم الإرادة الشعبية، وسلطت الضوء على كواليس عفنة تفوح منها رائحة الدعارة السياسية. لأول مرة في تاريخ البرلمان تصدر الصحف وفي عناوينها كلام عن زعران وأولاد شوارع وزقاقيين. هل يعقل أن يتمثل الإبداع اللبناني، وآخرهم أبطال كرة السلة بأمثالهم؟ وهل يعقل أن يدير ثروة الاغتراب اللبناني مجموعة من اللصوص والفاسدين؟

بالمقياس الشخصي، قد يخطئ هذا ويصيب ذاك، لكن فعاليتهم من فعالية الثورة. وجودهم في المجلس هو الدليل على أن الثورة التي أثخنوا مناضليها بالجراح لم تخمد، بل صنعت نواباً ويعلق الشعب الأمل عليها في صناعة الرئيس بغير الآليات المعهودة في اختياره.

صحيح أن رئاسة الجمهورية نقطة تقاطع لبناني وعربي وإقليمي ودولي، مع أن العهد الحالي، بحسب بعض المزاعم، صناعة لبنانية، غير أن الثورة حددت مكمن الخلل. هو ليس خللاً جغرافياً بل دستوري. لا التقاطع على فؤاد شهاب كان سيئاً ولا الصناعة اللبنانية في رئاسة عون مفخرة. الرئيس الصالح لإدارة البلاد في مراحل نهوضها أو في أزماتها هو الذي يحترم الكتاب، أي الدستور، بحسب تعبير الرئيس فؤاد شهاب.

في الاستحقاق الرئاسي السابق، وقبل أن تتحول الانتفاضة إلى ثورة، خضعت مجموعاتها لقوانين اللعبة القديمة فتوزعت بين مؤيد لهذا أو لذاك من مرشحي الممانعة والتعطيل. «لقاء الدولة المدنية، الذي ضم أكثر من عشرين مجموعة، انفرط عقده بغلطة الخضوع لمنطق الاختيار بين مرشحين سيئين. هذه المرة، اختلفت قوانين اللعبة بعد أن تحولت الانتفاضة إلى ثورة وصار لها برنامج وممثلون في البرلمان.

بالتأكيد، نواب الثورة ليسوا هم من سيصنع الرئيس لكن كلمتهم سيكون لها وقع مختلف على مسار الأزمة. هم جزء من معادلة جديدة عنوانها حماية الدولة والسيادة والدستور.

مقالات ذات صلة