مانشيت “الجمهورية”: عودة الحديث على وجوب التأليف قبل الرئاسة .. ومصير الترسيم ينتظر هوكشتاين
من المرتقب هذا الاسبوع ان يظهر مزيد من المؤشرات حول مهمّة الوسيط الاميركي في ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتاين، الذي ينتظر لبنان منه جوابًا اسرائيليًا نهائيًا حول حدوده وحقوقه لكي يبني في ضوئه على الشيء مقتضاه. فيما بدأت تلوح في الأفق ملاح نزاع سياسي على الاستحقاق الرئاسي قد يمنع انجازه ضمن المهلة الدستورية، ما أعاد البحث في وجوب تأليف الحكومة الجديدة، لكي تتولّى صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انقضاء ولايته، خصوصًا انّ بعض الاوساط عاد يناقش في مدى دستورية ان تتولّى حكومة تصريف الاعمال هذه الصلاحيات في ظلّ الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، إن حصل وتعذّر تأليف حكومة مكتملة المواصفات والصلاحيات الدستورية. ووسط كل هذه التطورات، تتفاقم الأزمات المالية والاقتصادية المعيشية والحياتية، والتي تزيد من حدّتها لصوصية المصارف وسطوها على اموال المودعين والموظفين في القطاعين العام والخاص على حدّ سواء، بلا أي رادع او حسيب..
غابت النشاطات الرسمية لوجود رئيس حكومة تصريف الاعمال والمكلّف تشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي في عطلة خارج البلاد، ولم يُسجّل بعد اي تواصل بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ اللقاء الذي تزامن وعيد الجيش وزيارة الوسيط الاميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الاخيرة لبيروت، وبقيت العلاقة بينهما محصورة بالبريد اليومي المتبادل بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء والمديرية العامة في رئاسة الجمهورية.
الخطأ والخطورة
واعتبرت اوساط سياسية مطلعة، انّ «من الخطأ والخطورة الاستسلام لفكرة أن لا إمكانية لتشكيل حكومة جديدة، على اساس انّه لم تعد «تحرز»، بفعل اقتراب موعد انتخابات رئاسة الجمهورية».
وقالت هذه الاوساط لـ«الجمهورية»، انّ «أهمية ولادة حكومة جديدة لا تقاس بالفترة الفاصلة عن موعد الاستحقاق الرئاسي، بل ترتبط باحتمال تعذر انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية وهذا احتمال كبير، ما يستدعي وجود حكومة مكتملة المواصفات لإدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية، لأنّ وضع البلد لا يتحمّل ان يبقى لأشهر بلا رئيس جمهورية وحكومة أصيلة معًا، والاكتفاء بحكومة تصريف أعمال مقيّدة الصلاحيات».
واعتبرت الاوساط «انّ الرئيس نجيب ميقاتي سيكون المتضرّر الأول من عدم بذله الجهد المطلوب لتشكيل الحكومة، لأنّ هذا الموقف سينقله من متخصص في تدوير الزوايا إلى التموضع في زاوية حادة، خلافًا لما عُرف به في مسيرته السياسية، الأمر الذي سيؤدي إلى فقدانه واحدة من أهم مميزاته التي كانت تبقيه ضمن دائرة المرشحين إلى رئاسة الحكومة».
واشارت الاوساط نفسها، إلى انّ «ليس صحيحًا انّ الفراغ الرئاسي سيسمح لميقاتي بأن يصبح حاكمًا بأمره كرئيس لحكومة تصريف الأعمال، إذ انّ كل وزير سيصبح في حالة وقوع الفراغ مقرّراً، وبالتالي سيكون قادرًا على تعطيل أي قرار يجد أنّه لا يناسبه».
المعارضة
في غضون ذلك، قالت أوساط سياسية معارضة لـ«الجمهورية»، انّ بعض القوى السياسية في الداخل وبعض دوائر القرار في الخارج تروِّج لنظرية انّ معاناة اللبنانيين الحقيقية اليوم سببها الأزمة المالية الحادة المستجدة وغير المسبوقة، وانّ عدم معالجة هذه الأزمة سريعًا سيؤدي إلى استفحالها، فيما الانقسام السياسي ليس جديدًا ولا مستجدًا ومعالجته ما زالت مستحيلة، وجلّ ما هو مطلوب، بالنسبة لهذا البعض، إعادة الوضع اللبناني إلى ما كان عليه قبل الانهيار المالي، وهو أمر متاح، بمعنى انّ معالجة الأزمة المالية ممكنة خلافًا للسياسية غير الممكنة، وانّ المدخل لهذا الإنقاذ يبدأ مع انتخاب رئيس للجمهورية بخلفية مالية، لا سياسية، يضع كل تركيزه على الشأن المالي بدلًا من السياسي غير القابل للحل والمعالجة، وذلك إن من خلال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، أو إقرار القوانين الإصلاحية وغيرها من الخطوات التي تندرج في هذا السياق.
ورأت هذه الأوساط في خطورة هذه المقاربة، انهّا قابلة للترويج تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار ومنع الفراغ والانكباب على معالجة الأزمة المالية، ومن خلال هذا النوع من المقاربات يواصل الفريق الحاكم إمساكه بمفاصل السلطة، علمًا انّ الأسباب الأساسية للانهيار المالي سياسية بامتياز ومردها إلى تغييب الدولة ونهب مواردها وتحميلها أعباء دويلة تشرِّع الحدود للتهريب وتعزل لبنان عن محيطه، وفساد طبقة سياسية تستفيد من واقع غياب دولة.
وذكرّت الأوساط بتجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي فُرضت عليه قاعدة الفاصل نفسها، بين ما هو سياسي وأمني من اختصاص النظام الأمني اللبناني-السوري المشترك، وبين ما هو اقتصادي ومالي وإعماري من اختصاصه، وقد أدّى هذا الأمر في نهاية المطاف إلى اغتياله، وأي رئيس يحيِّد نفسه عن القضايا السياسية سيكون مصيره الاغتيال في اللحظة التي يقرِّر فيها مقاربة هذه القضايا واتخاذ المواقف المناسبة منها، وبمعزل عن ذلك، فإنّ معالجة الأزمة من الباب المالي من دون السياسي مقاربة خاطئة تماماً.
وأكّدت الأوساط نفسها «انّ الأزمة المالية هي نتيجة طبيعية للأزمة السياسية، ويستحيل معالجة هذه الأزمة المالية من دون معالجة مسبباتها السياسية، والانهيار الذي وصلت إليه البلاد كان متوقعًا وحتميًا، ولو كان ثمة إمكانية للخروج من هذا الانهيار لكان تمكّن الفريق الحاكم الممسك بالسلطة من الخروج منه، في ظلّ سيطرته المطلقة على السلطة. وعدا عن انّ الإصلاح يتناقض مع طبيعة هذا الفريق، فإنّ التجربة أثبتت انّ الانهيار سببه تغييب الدولة، وانّ الخروج من هذا الانهيار يبدأ مع إعادة الاعتبار لدور هذه الدولة». وشدّدت الأوساط على «انّ مقولة تجنُّب الفراغ لتجنُّب الانهيار لم تعد تصح، بعدما انزلقت البلاد إلى انهيار ما بعده انهيار، فيما لا فارق بين فراغ وبين تعبئة هذا الفراغ شكليًا من دون اي تغيير في واقع الأزمة القائمة. ولذلك، يجب الإصرار على انتخاب الرئيس الذي يزاوج بشخصه بين السيادة والإصلاح، من أجل ان يضع البلاد على طريق الإنقاذ، كما الإصرار على استبعاد الرئيس الـ8 آذاري والرئيس الوسطي ليتفرّغ للأزمة المالية، وعدا عن انّه سيشكّل غطاءً لـ»حزب الله»، فإنّ الأزمة المالية ستراوح، لأنّ الإنقاذ يبدأ من الباب السياسي لا المالي، ومن الباب السيادي تحديدًا».
فراغ رئاسي
وفي المقابل، رأت أوساط محايدة لـ«الجمهورية»، انّ «إصرار فريقي 8 و14 آذار او فريقي المعارضة والموالاة على إيصال رئيس للجمهورية من فريقهما يعني الوصول إلى الفراغ الرئاسي، لأنّ لا الموالاة قادرة على انتخاب رئيس من صفوفها، ولا المعارضة أيضاً، والحلّ الوحيد في الوصول إلى رئيس وسطي وتوافقي قادر على الحكم، فضلاً عن انّ الرئيس المنتخب من فريق، في حال انتُخب، لن يتمكّن من الحكم، كما انّ البلاد لا تحتمل مزيداً من الانقسام والخلاف والتشرذم، وتتطلّب التوافق لتجاوز مرحلة الانهيار، وخلاف ذلك يعني الارتطام الكبير، ويجب ان يكون هذا الاحتمال مستبعدًا لدى جميع الكتل النيابية، لأنّ مصلحة لبنان تستدعي فرملة الانهيار وأخذ إجازة من الخلافات السياسية التي لا طائل منها، والانكباب على معالجة قضايا الناس الملحّة».
ودعت الأوساط نفسها الكتل النيابية إلى «تسريع التوافق على انتخاب رئيس وتكليف رئيس حكومة وتأليف حكومة والشروع في معالجة الأزمة، من خلال ورشة عمل مفتوحة، خصوصًا انّ ميزان القوى النيابي لا يسمح لأي فريق في ان يحسم النتيجة لمصلحته، وبالتالي ما الفائدة من الانتظار واستنزاف الوقت الثمين جدًا بالنسبة إلى اللبنانيين الذين ينشدون الاستقرار والخروج من الحالة المأسوية التي وصلوا إليها».
وقالت هذه الأوساط «انّ فريقي النزاع يدركان تماماً انّ دوائر القرار الخارجية هي ضدّ الفراغ الرئاسي وتتطلّع إلى انتخاب رئيس وسطي وحيادي قادر على جمع القوى السياسية وطي الصفحة الخلافية وفتح صفحة جديدة من التعاون لقيادة مرحلة الإنقاذ، لأنّه خلاف ذلك سيكون الانهيار الشامل سيِّد الموقف، ولا مصلحة لأي فريق سياسي باستمرار الانهيار، فضلاً عن انّ اي فريق لا يحظى بدعم خارجي في ظلّ أولوية الخارج انتخاب رئيس وسطي ويتمتّع بخلفية مالية وقادر على مفاوضة صندوق النقد ووضع أولوية المعالجة المالية، على أي اعتبار آخر».
مواقف
وفي المواقف التي شهدتها عطلة نهاية الاسبوع، لاحظ البطريرك الماروني ما بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد من الديمان «انّ لبنان من غير الممكن أن يعيش هويته وطبيعته ورسالته إذا لم يستعد حياده الناشط الذي هو في جوهر كيانه الدستوري»، واعتبر «انّ اعتماد الحياد لا ينقذ فقط لبنان من التورط في نزاعات الآخرين وحروبهم، بل يخفض أيضًا عدد القضايا الخلافية بين اللبنانيين، خصوصًا على صعيد الخيارات الدستورية المختلفة».
وقال: «إذا التزم المرشحون الجدّيون لرئاسة الجمهورية بالسعي لإعلان حياد لبنان، لكسبوا ثقة غالبية الرأي العام اللبناني والعربي والدولي. الشعب يحتاج رئيسًا يسحب لبنان من الصراعات لا أن يجدد إقامته فيها». واضاف: «طبيعي أن يطّلع الشعب اللبناني على رؤية كل مرشح جدّي لرئاسة الجمهورية. صحيح أنّ الرئيس في لبنان ليس حاكمًا منفردًا، إذ يترأس الجمهورية بترفع وحيادية مع مجلسي النواب والوزراء وسائر المؤسسات الدستورية والإدارية. لكن هذا لا يعفي المرشح لهذا المنصب من إبداء تصوره للمشكلات والأزمات والحلول، وإعلان مواقفه الواضحة من القضايا المصيرية».
واكّد انّه «لا يجوز في هذه المرحلة المصيرية، أن نسمع بأسماء مرشحين من هنا وهناك ولا نرى أي تصوّر لأي مرشح. كفانا مفاجآت». ورأى «أنّ الواقع الخطير في البلاد يستوجب انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، يكون ذا خبرة في الشأن العام ومواقف سيادية. إنّ الإسراع في إجراء الإصلاحات المالية والاقتصادية الضرورية تنقذ لبنان وتعيد النظام المصرفي اللبناني إلى دورته الطبيعية، هذا النظام الذي شكّل أحد مقومات الازدهار في لبنان».
ولفت إلى «انّ لدى الدولة طرقًا كثيرة لإنقاذ أموال المصارف والمودعين، لكنها مع الأسف ترفض استعمالها لأسباب باتت معروفة، وتروح نحو حلول وخطط تعافٍ تستلزم المراجعة والتصحيح والتعديل».
عودة
وقال ميتروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة في عظة الاحد: «إنّ على مجلس النواب أن يحزم أمره ويلتئم من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، في المهلة الدستورية المحدّدة، علّ روحا جديدة تنسلّ إلى لبنان وتعيده إلى الحياة. والرئيس الذي نريده هو رئيس قريب من شعبه، يعي هموم الشعب، ويتبنّى أحلامه، ويعمل على تحقيقها. عاشق لوطنه، ناذر النفس لخدمته، متخليًا عن ذاته وأنانيته ومصلحته. صاحب هيبة يعيد للدولة هيبتها وسيادتها واستقرارها، ويحسن قيادتها بحكمته وعلمه وخبرته لا بأتباعه. رئيس يعيد للبنان مركزه في قلوب أبنائه أولًا، ثم في محيطه والعالم، يبني مستقبله على ركائز متينة لا تزعزعها أدنى العواصف، صاحب رؤية واضحة وشخصية قوية بتواضع، محاور ذكي يحسن الإصغاء إلى محاوريه، ويحسن اختيار وقيادة فريق عمله، يستبق الأحداث ويستشرف المستقبل». وختم: «نحن في حاجة إلى رئيس متحرّر من أثقال المصالح والارتباطات، يضع مصلحة لبنان نصب عينيه، ولا يعمل إلّا من أجل تحقيقها، فيلتف الشعب حوله ويقتدي به».
رعد
ورأى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أنّ «هناك دولًا تدّعي حماية حقوق الإنسان لكنها لا تتورع عن محاصرة وتجويع وغزو شعوب بأكملها تحقيقًا لمصالحها». وقال خلال احتفال تأبيني في بلدة قعقعية الجسر: «نعيش في بلدنا أزمة نتجت من سياسات خرقاء في الداخل ومن انتهاز بعض الدول النافذة فرصًا من أجل التضييق علينا ومحاصرتنا علنا نتنازل عن النهج الذي نلتزمه. إذا كان المطلوب إسقاط خيار المقاومة لدى شعبنا فشعبنا عرف أنّ طريق عزته وتحقيق الانتصار على أعدائه هو عبر هذا الطريق ولن يتخلّى عن طريق المقاومة ولا عن نهجها ولا عن خيارها ولا عن سلاحها».
واضاف: «الأميركي بدأ بالكلام عن أنّه كيف يمكن أن نسمح للبنان باستخراج الغاز ويوجد مقاومة، نحن سنستخرج الغاز لأنّ هناك مقاومة تحميه». وختم: «إذا كان الكلام الأميركي الذي تسلّل عبر وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة بشأن استخراج الغاز فنحن نقول، لن تستطيع إسرائيل أن تستخرج الغاز إذا أردتم أن تضعوا رأسكم برأس المقاومة، فإما أن نعيش حياة كريمة عزيزة وقرارنا فيها مستقل ونملك القوة الرادعة لعدونا، وإما أن يُراد لنا أن نستسلم، لكن قناعتنا وعقيدتنا وقيمنا تقول لنا هيهات منا الذلة».
شلل تام
وفي الوقت الذي تمدّدت عطلة نهاية الأسبوع إلى الغد بفعل عطلة عيد انتقال السيدة العذراء اليوم، بقيت الأمور على غاربها وسط شلل تام في العمل الحكومي والإداري، بعدما عادت بعض المؤسسات العامة والوزارات إلى العمل الجزئي كما هي حال دوائر الميكانيك ومؤسسات اخرى محدودة جدًا.
وفي وزارة المال أُنجزت الجداول الخاصة برواتب الدفعة الاخيرة من رواتب موظفي القطاع العام الذين تسلّم قسم منهم رواتبهم منذ الجمعة الماضي، وسط ترتيبات مصرفية حالت دون نيلها كاملة سوى بالتقسيط بفعل تقليص هوامش الحصول عليها لدى بعض المصارف التي قلّصت النسبة إلى الحدود الدنيا، بحيث انّ بعض المتقاعدين لم يتمكن من الحصول سوى على مليون ونصف مليون ليرة لبنانية، أي بنسبة لا تتجاوز 40 % من رواتبهم التقاعدية.