الحياة الرقمية… مشهد أكيد بعد كورونا
أدى وباء كورونا إلى تغيرات هائلة في جميع مناحي الحياة، وقاد إلى تحول رقمي متسارع ترك آثاره في مختلف القطاعات الاقتصادية، وأنشأت الجائحة عادات اجتماعية جديدة بسبب التحول الجذري في أساليب الحياة والعمل حتى لم يعد من الممكن العودة إلى نمط الحياة الذي كان سائدا قبل الجائحة، فقد أصبح مفهوم الحياة نفسه مختلفا، فهذه “الحياة الطبيعية” ما عادت كما كانت في السابق، فهي حياة طبيعية لكنها رقمية في كل شيء.
لقد اعتادت البشرية استخدام التقنيات الحديثة في شتى المجالات، وغدا الإنترنت والتطبيقات الرقمية جزءا أساسيا من حياتنا اليومية، فنحن نشتري ونتسوق ونطلب الطعام ونعقد اجتماعات العمل، ونستأجر ونبيع الشقق والمباني، ونحجز تذاكر الطائرات والفنادق عبر الإنترنت.
وعن هذه الحياة الرقمية الجديدة بعد الجائحة، قالت روث بورات المديرة المالية لشركتي “ألفابت” (Alphabet) و”غوغل” (Google) في أثناء مشاركتها في منتدى قطر الاقتصادي الذي عقد في الدوحة أخيرا “إن التحول نحو الرقمية امتدّ إلى كل الجوانب والقطاعات، ولا توجد هناك عودة إلى الوراء، فهذا التغير الذي نراه اليوم دائم وسيتعمق أكثر في المستقبل، ومن المهم جدا لكل واحد منا أن يفكر في كيفية الاستفادة من هذا التحول في تطوير وزيادة كفاءة الأعمال التي نقوم بها”.
الحظر انتهى لكن الطلب عبر الإنترنت ازداد
في أثناء الجائحة وأوقات الإغلاق الطويلة التي صاحبتها، أغلق قطاع المطاعم إغلاقا شبه كامل في وجه الزوار في مختلف أرجاء العالم، وقد عانت هذه المطاعم معاناة كبيرة في البداية، وشيئا فشيئا أخذت تعتمد على التكنولوجيا للاستمرار في العمل، فكانت طلبات وجبات الطعام تتم بالكامل عبر الإنترنت وتطبيقات التوصيل المختلفة.
وتوقع كثيرون أن تنتهي الحاجة إلى هذه الخدمات بعد أن انتهى الحظر، وسمح للمطاعم بفتح أبوابها للزوار، ولكن هذا لم يحدث مطلقا، بل استمر الطلب عبر الإنترنت والتطبيقات الحديثة لتوصيل وجبات الطعام كما كان في السابق، وزاد في كثير من الأحيان.
ويقول كريس ويب المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة الطلبات عبر الإنترنت “شو ناو” (ChowNow Inc) “إن عدد طلبات الشراء الرقمية التي تواصل الشركة تلبيتها يوميًّا كبير جدا، ولم تتأثر مطلقا بإعادة فتح المطاعم أبوابها للزوار”.
وأضاف ويب، في تصريحات نقلتها منصة “لوس أنجلوس بيزنس جورنال” (L.A Business Journal)، “أنا شخصيا مدهوش قليلا.. اعتقدت أنه مع إعادة فتح البلاد، وانتهاء الحظر سيخرج الناس لتناول الطعام في المطاعم والساحات المفتوحة، وتوقعت أن نرى تراجعا في عدد الطلبات عبر الموقع والتطبيق، ولكن ذلك لم يحدث”.
وأعلنت الشركة التي يقع مقرّها في مقاطعة بلايا فيستا بولاية كاليفورنيا الأميركية أنها عالجت طلبها رقم 100 مليون، وحقق برنامجها مبيعات بقيمة بلغت 3.9 مليارات دولار منذ إطلاقه.
وقال ويب إن “الشركة كانت تنمو بالفعل قبل الوباء حيث تبحث المطاعم عن وسائل جديدة للوصول إلى العملاء الذين أصبحوا معتادين باستمرار على الطلب عبر الإنترنت، وقد زاد هذا الأمر بعد الجائحة أضعافا مضاعفة، ولا يوجد أي تراجع في عدد الطلبات وحجمها بعد انتهاء الحظر، ويضيف “كنا نخطط لتحقيق هذا الحجم من النمو في أعمال الشركة خلال السنوات الخمس المقبلة، ولكنه تحقق في أقل من 12 شهرا”.
وفي الحقيقة، فقد أسهمت مجموعة من الشركات الناشئة التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في عملها بدور أساسي في تغيير طريقة تسوق العملاء، سواء لشراء البقالة ومتطلبات الحياة اليومية أو طلب الوجبات الغذائية من المطاعم المختلفة، وستسهم التقنيات التي تقدمها هذه الشركات بدور حيوي في صناعة ما بعد الجائحة.
وليس هذا مقتصرا على القطاع الغذائي فقط بل تعدّاه إلى القطاعات كافة حتى تلك التي يعتقد كثير من الناس أنها لا تحتاج إلى التقنيات الحديثة للعمل، ولنأخذ قطاعا بعيدا قليلا عن الحاجات اليومية للناس، وهو القطاع العقاري.
مجموعة من الشركات الناشئة التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في عملها أسهمت بدور أساسي في تغيير طريقة تسوق العملاء لشراء مختلف احتياجاتهم (مواقع التواصل الاجتماعي)
التكنولوجيا الحديثة تغير أساليب العمل إلى الأبد
وألقى استطلاع أجرته مؤسسة “فريثس” (Freeths) أخيرا الضوء على أثر التكنولوجيا الحديثة في القطاع العقاري في الولايات المتحدة، وأظهر الاستطلاع أن الشركات العقارية أصبحت تعتمد اعتمادا واضحا على التكنولوجيا المتقدمة لأداء أعمالها خلال الجائحة، وأنها تتبنّى بسرعة مجموعة واسعة من التقنيات المختلفة التي وجدتها ضرورية للاستمرار بالقيام في مهامها، وعدم توقف أعمالها.
وقال 79.4% من المشاركين في الاستطلاع الذي أعلنت نتائجه قبل أيام إن التكنولوجيا قد ساعدتهم على الحفاظ على مستويات جيدة من الإنتاجية خلال فترات الإغلاق بسبب الجائحة، وأسهمت بدور رئيس في دعم أعمالهم كي تبقى منتجة ومربحة ماديا بعدها، وقال 98% منهم إن تجربتهم في استخدام التكنولوجيا خلال الجائحة كانت إيجابية في الغالب.
وأكد 73% من المشاركين في الاستطلاع أن أعمالهم ستستمر بالاعتماد على التكنولوجيا والتقنيات الحديثة بعد الجائحة، فالعودة إلى الحياة الطبيعية الجديدة تعني الاستمرار في الاعتماد على التكنولوجيا لأداء الأعمال، فهو واقع رقمي جديد سيبقى ويستمر.
البشر يكتشفون أهمية الرقمية والاستثمار في التكنولوجيا
وفي الحقيقة، فقد اكتشف الناس أهمية الرقمية والتقنيات الحديثة في حياتهم وأعمالهم، وأصبحت قيمة الاستثمار في التكنولوجيا أكثر وضوحا للبشر خلال الوباء وبعده، إذ توقع 94% من المشاركين في الاستطلاع أن الاستثمار التكنولوجي سيكون له تأثير إيجابي في تحسين إيراداتهم خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقالت دارين ويليامسون الرئيسة الوطنية لقطاع لعقارات في مؤسسة “فريثس” إن جائحة “كورونا فتحت أعيننا على الإمكانات الكبيرة والرشيقة التي توفرها المنصات الرقمية المختلفة، وأولئك الذين يستثمرون في هذه المنصات ويمكنون الناس من استخدامها سيحققون نجاحات كبيرة في المستقبل”، وأضافت “إن الاستطلاع يظهر أن العاملين في القطاع العقاري أصبجوا يدركون أكثر من أي وقت مضى أن التكنولوجيا قد غيرت الطريقة التي يعملون بها إلى الأبد”.
وفي قطاع آخر، قال 58% من المختصين في تجارة التجزئة أن الوباء أدى إلى تسريع إطلاق منتجات جديدة تعتمد على التكنولوجيا الحدثة في عملهم، وذلك وفق تقرير جديد أصدره الاتحاد الوطني لتجارة التجزئة في أميركا (National Retail Federation) (NRF).
وقالت ميشيل إيفانز رئيسة قسم المستهلك الرقمي في مؤسسة “يورومونيتور إنترناشونال” (Euromonitor International) “سيستمر استخدام التكنولوجيا الحديثة بعد الوباء لتطوير الكفاءات التشغيلية وتحسين تجربة العملاء وزيادة رضاهم”.
وقد استفادت العلامات التجارية من تقنيات مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي للتواصل مع المستهلكين وبيع منتجاتهم، إذ استخدم 31% من المستهلكين هذه التقنيات لشراء الأدوات المنزلية وقطع الأثاث هذا العام.
وقال مارك ماثيوز نائب رئيس تطوير الأبحاث وتحليل الصناعة في (NRF) “لقد أدى الوباء إلى تسريع تطبيق التقنيات الجديدة بشكل كبير لدى عدد كبير من تجار التجزئة خلال مدة قصيرة جدا، علما أن تبنّي هذه التقنيات واعتمادها في العمل كان سيأخذ سنوات طويلة لولا الجائحة، ولكن بدلا من كل هذا الوقت الطويل اعتمِدت خلال أسابيع فقط”.
نعم، لقد تغير شكل الحياة وطبيعة العمل وأساليبه، و”عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء” كما أكدت روث بورات في جلستها المذكورة في منتدى قطر الاقتصادي الأول.