شركات عملاقة تستثمر في الكابلات البحرية… اليكم التفاصيل
يرى عدد من الخبراء أن استثمارات شركات التكنولوجيا الأربع الكبرى في قطاع الكابلات البحرية لنقل بيانات الإنترنت يعزز هيمنتها وأرباحها، ويقوّض أي قدرة على المنافسة في مجال البنية التحتية للشبكة العنكبوتية.
في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) الأميركية، يقول الكاتب كريستوفر ميمز إن شبكة الإنترنت التي أصبحت تلعب دورا محوريا في حياتنا تحتاج إلى شبكة عملاقة من كابلات الألياف الضوئية، التي تنقل 95% من حركة الإنترنت عالميا.
وتتشكل شبكات نقل البيانات التي تربط بين الدول في معظمها من كابلات تمر تحت المياه، ويبلغ طولها نحو 1.3 مليون كيلومتر. وحتى وقت قريب، كانت الأغلبية العظمى من كابلات الألياف الضوئية المغمورة تخضع لسيطرة شركات الاتصالات والجهات الحكومية، لكن الوضع تغير تماما في الوقت الراهن.
السيطرة على الكابلات البحرية
قبل عام 2012، كانت عمالقة التكنولوجيا الأربع: مايكروسوفت (Microsoft) وألفابت (Alphabit) وميتا (Meta) (فيسبوك سابقا) وأمازون (Amazon) تحتكر أقل من 10% من الألياف الضوئية المغمورة، أما الآن فقد ارتفعت النسبة إلى نحو 66%.
ووفقًا لشركة “تيليجيوغرافي” (Tele Geography) المتخصصة في دراسات الاتصالات السلكية واللاسلكية، فمن المنتظر أن يسيطر الرباعي في السنوات الثلاث المقبلة على تمويل وامتلاك شبكة كابلات الإنترنت تحت البحر بين أغنى البلدان وأكثرها فقرا على شواطئ المحيطين الأطلسي والهادي.
وبحلول عام 2024، من المتوقع أن تكون للشركات الأربع حصص في أكثر من 30 كابلًا بحريا، يبلغ طول كل منها آلاف الكيلومترات، وتربط كل قارات العالم باستثناء القارة القطبية الجنوبية.
وفي عام 2010، كانت لهذه الشركات حصة في كابل وحيد من الكابلات البحرية الطويلة، وهو كابل “يونيتي” الذي يربط بين اليابان والولايات المتحدة، وكانت غوغل تمتلك حصة فيه.
تكاليف أقل
ويؤكد الكاتب أنه رغم المخاوف من هيمنة عمالقة التكنولوجيا على الكابلات البحرية، فإن الثابت أن انخراطها في هذا المجال أدى إلى خفض تكلفة نقل البيانات عبر المحيطات. ووفقا للتقرير السنوي عن البنية التحتية للكابلات البحرية الصادر عن “تيليجيوغرافي”، فقد ساعدت مساهمة شركات التكنولوجيا الكبرى على زيادة حجم نقل البيانات دوليًا بنسبة 41% عام 2020 وحده.
وتُقدّر تكلفة مدّ الكابل البحري الواحد بمئات الملايين من الدولارات، ويتطلب تركيبه وصيانته بعمق أكثر من 6 كيلومترات أسطولًا من السفن.
ويوضح هوارد كيدورف، الشريك الإداري في “بيونير كنسيلتينغ” -وهي شركة متخصصة في هندسة وبناء أنظمة كابلات الألياف البصرية تحت البحر- إن عملية مدّ الكابلات تتطلب قدرا كبيرا من الحذر من الجبال البحرية وأنابيب النفط والغاز ومزارع الرياح، وحتى حطام السفن.
وبلغ إجمالي النفقات الرأسمالية التي وضعتها الشركات الأربع عام 2020 في هذه الصناعة أكثر من 90 مليار دولار. ويؤكد عمالقة التكنولوجيا أنهم يعملون على تعزيز هذه الكابلات بهدف زيادة النطاق الترددي للشبكة وتحسين خدمات الاتصال بالإنترنت في مناطق مثل قارة أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
ويقول تيموثي سترونج نائب رئيس قسم الأبحاث في شركة “تيليجيوغرافي” إن “التكلفة المرتفعة لشراء سعة الكابلات المملوكة للشركات الأخرى كانت الدافع الرئيسي لانخراط شركات التكنولوجيا العملاقة في الاستثمارات المتعلقة بمدّ الكابلات تحت البحر”.
لماذا تتعاون الشركات الكبرى؟
ويتم تمويل معظم الكابلات بالتعاون بين الشركات الكبرى. على سبيل المثال، موّلت “مايكروسوفت” و”ميتا” و”تيلكسيوس” (Telxius) التابعة لشركة الاتصالات الإسبانية “تيليفونيكا”(Telefónica) كابل “ماريا” الذي تم الانتهاء منه عام 2017، ويمتد على مسافة 6500 كيلومتر تقريبا، ويربط بين فيرجينيا بيتش في الولايات المتحدة وبلباو في إسبانيا.
وفي عام 2019، أعلنت “تيلكسيوس” أن أماوزن وقعت اتفاقية مع الشركة لاستخدام 1 من 8 أزواج من الألياف الضوئية في كابل “ماريا”، وهو ما يُمثل من الناحية النظرية ثُمن سعتها البالغة 200 تيرابت في الثانية، أي ما يكفي لبث ملايين الأفلام عالية الدقة في وقت واحد.
ويقول كيفن سلفادوري نائب رئيس البنية التحتية للشبكة في “ميتا” إن الشركة تتعاون مع شركاء عالميين ومحليين في ما يتعلق بالكابلات البحرية، ومع شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى مثل “مايكروسوفت”.
وحسب الكاتب، فإن التعاون بين الشركات الكبرى يضمن استمرار تدفق بيانات الإنترنت بشكل سلس في حال حدوث أي تلف في الكابلات. وحسب اللجنة الدولية لحماية الكابلات (منظمة غير ربحية) فإن مثل هذه الأعطاب تحدث نحو 200 مرة سنويا، ويحتاج إصلاح الكابلات التالفة إلى جهد كبير قد يستغرق أسابيع.
ويقول فرانك ري، مدير شبكة “أزور” للبنية التحتية التابعة لـ”مايكروسوفت”، إن مشاركة الكابلات مع الشركات المنافسة -مثل كابل ماريا الخاص بالشركة- يعدّ مفتاحا أساسيا للتأكد من توفر خدماتها السحابية في جميع الأوقات.
ويرى سترونج أن هذه الصفقات تخدم غرضا آخر، حيث إن إقحام شركات اتصالات مثل “تيلكسيوس” في استغلال الكابلات “وسيلة تمويه” تعتمدها شركات التكنولوجيا الأميركية لصرف الانتباه عن كونها هي نفسها شركات اتصالات، على حد تعبيره.
في المقابل، يقول سلفادوري “لسنا شركة ناقلة، نحن لا نبيع النطاق الترددي لكسب المال. لقد كنا -وما زلنا- من المشترين الرئيسيين لسعة الكابلات البحرية حيثما وُجدت، ولكن في الأماكن التي لا تتوفر فيها كابلات، نحن عمليون جدا، ويمكن أن نستثمر إذا احتجنا إلى ذلك”.
وحسب الكاتب، فإن هناك استثناءات في مجال شراكة عمالقة التكنولوجيا مع المنافسين في ملكية الكابلات البحرية، حيث تمتلك شركة “غوغل” 3 كابلات بمفردها، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 6 بحلول عام 2023.
ويقول المسؤول عن البنية التحتية للألياف البحرية والأرضية في “غوغل” فيجاي فوسيريكالا إن الشركة قامت بإنشاء هذه الكابلات التي تمتلكها وتشغلها لسببين: أولهما جعل خدماتها الخاصة -مثل البحث على المحركات والمواقع المختلفة- أسرع وأكثر جودة، والثاني هو كسب معركة الخدمات السحابية.
ويقول جوشوا ميلتزر، الباحث المتخصص في التجارة الرقمية وتدفق البيانات بمعهد بروكينغز، إن كل هذه التحولات التي تشهدها البنية التحتية للإنترنت هي امتداد لهيمنة كبرى شركات التكنولوجيا على منصات الإنترنت المختلفة.
ويضيف ميلتزر “في نهاية المطاف، هذا الاستثمار سيجعلها (الشركات) أكثر هيمنة في مجال الإنترنت، لأنها تستطيع تقديم الخدمات بتكاليف أقل”.
(الجزيرة)