مرضى السرطان يستغيثون… أنقذونا
كتبت أنديرا مطر في صحيفة “القبس” يخوض مريض السرطان في لبنان مواجهات على جبهتين: الداء الخبيث والأزمة الاقتصادية المالية التي انسحبت تداعياتها على القطاع الطبي برمته.
المستشفيات تستغيث وتحدد كوتا للمرضى. الجهات الضامنة تتهرب من دفع كلفة العلاج. أدوية مفقودة في الصيدليات. ومختبرات أوقفت اجراء الفحوص نتيجة نقص حاد في الكواشف. هذا الى جانب هجرة عدد غير قليل من الاطباء الى الخارج نتيجة هذه العوامل كلها.
معاناة مرضى السرطان في لبنان ليست مستجدة، إلا أن الأزمة المالية وتفشي وباء كورونا ضاعفا من حدتها.
وتوضح اختصاصية امراض الدم والأورام، الطبيبة تيريز أبو نصر نبهان، إنه بسبب تفشي كورونا اضطر بعض المرضى الى اتباع علاج منزلي للتخفيف من خطر إصابتهم بالعدوى بسبب انخفاض مناعتهم. فضلاً عن تخفيف العبء المادي عن كاهل المريض؛ لأن كل دخول الى المستشفى يتطلب إجراء فحص كورونا لتأمين سلامته وسلامة المرضى والطاقم الطبي.
الأزمة المالية انسحبت على تأمين الدواء بصورة أساسية. فبعض الأدوية فقدت من السوق، ومن بينها الأدوية الرخيصة مثل أدوية اللعيان أو المسكنات ومضاد الالتهاب التي لم يكن المستورد يؤمنها بشكل منتظم.
ولجأت المستشفيات غير القادرة على توفير سيولة لشراء الأدوية الباهظة الى استبدالها بأدوية أخرى «جينيريك» أو «كوبيز» لتخفيف العبء عن الدولة أو عن الجهات الضامنة، تقول الطبيبة.
والى مشكلة الدواء يتكبد المريض تغطية البدل المادي لجلسة العلاج التي ارتفعت من 500 الف ليرة الى مليون ونصف المليون. الضمان يلتزم الصمت حيال ارتفاع الكلفة لانه من حق المستشفى والطبيب ان يرفع بدل اتعابه. ولكن من اين يؤمن المريض هذا المبلغ؟ ولهذا السبب اوقف بعض المرضى علاجهم.
اما المريض الذي ساعدته ظروفه على اكمال رحلة علاجه، فليس بمنأى عن المشاكل. بعضهم اضطر للانتقال من مستشفى الى آخر بسبب عدم توافر الدواء وبالتالي تغيير الطبيب المعالج الامر الذي يؤثر سلبا في معنويات المريض.
هجرة الأطباء
وهناك أكثر من الف طبيب هاجروا من لبنان منذ بدء الأزمة وفق نقيب الاطباء، ولدى سؤالنا الطبيبة تيريز ابو نصر اذا كانت ستهاجر أكدت ان عائلتها واولادها والتزاماتها تجاه المرضى أهم من اي عروض مادية.
وقالت ابو نصر ان هجرة بعض الاطباء مردها الى التزامات مادية معينة توفرت لهم في الخارج، لافتة الى ان بعض زملائها هاجروا لأن جودة الرعاية الصحية التي يقدمونها تدنت نتيجة نقص بعض المواد التي يحتاجونها في عملهم. اما هي فتقول: «خياري البقاء في لبنان».
جمعيات الدعم تحتاج إلى دعم
من حسن حظ المرضى وجود جمعيات خيرية تساعدهم في تأمين الدواء المقطوع أو تقديم مبالغ مالية وفق المتوفر. وتبرز في هذا المجال جمعية بربارة نصار التي انشأها هاني نصار اكراما لذكرى زوجته المتوفاة بهذا المرض.
يتابع نصار عدداً من مرضى السرطان ممن يعيشون قلقا يفاقم اوجاعهم بسبب انقطاع الدواء. ويقول لـ القبس «من يسمع تصريحات وزير الصحة يعتقد ان لا مشكلة في تأمين الدواء ولكن الواقع شيء اخر». يورد نصار مثالا عن دواء لسرطان نقي العظم «ريفيلميد»، أدخلوا بديلا إيرانيا له و«قامت القيامة»، لان الدواء غير مرخص من جانب منظمة الصحة العالمية، «وعندما واجهنا الوزارة بهذا الامر، اجابتنا بأن اسبابا سياسية تمنع منظمة الصحة من الاعتراف به لكنه فعال».
بعض الاطباء والمرضى امتنعوا عن استخدام هذا الدواء. ثم ادخلت الوزارة بديلا آخر من شركة اردنية نالت موافقة منظمة الصحة العالمية. وفجأة اختفى ايضا. منذ شهرين، لا نجد دواء لمرضى نقي العظم، «لا سويسري ولا اردني ولا ايراني»، يقول نصار.
تهريب الدواء جماعياً وأفرادياً
عدا التهريب «بالجملة»، الذي يطول قطاع الدواء اسوة بسائر السلع المدعومة في لبنان، يتحدث هاني نصار عن «موضة» رائجة حاليا وهو توجه البعض الى الجمعيات التي تؤمن أدوية السرطان لطلب ادوية وبيعها لمن يحتاجها. ويروي ان احدهم طلب من الجمعية دواء لسرطان البروستات مرفقا اياه بوصفة طبية لمريضة مصابة بسرطان الثدي.
وجمعية بربارة نصار التي اسست بهدف تخفيف اوجاع المرضى ليس لديها تمويل خارجي، وانما تعتمد على انشطة لجمع التبرعات. وبسبب كورونا والازمة المعيشية توقفت انشطتها ما حدّ من قدرتها على المساعدة لتقتصر على الحالات الحرجة.
ومؤخرا، أطلقت الجمعية نداء لكل مرضى السرطان للانضمام الى مجموعات دعم وتثقيف هدفها تثقيف المريض على كيفية التعامل مع الاختصاصيين وتوفير الدعم النفسي له. وتتولى هذه المجموعات مناصرة مرضى السرطان للمطالبة بحقوقهم. ويقول رئيس الجمعية:«يجب ان يتوقف استغلال مرضى السرطان في لبنان، يتسولون المال باسمهم ويحرمونهم من العلاج!».
الأطفال يعانون تداعيات انفجار المرفأ
الاطفال المصابون بالمرض الخبيث لم يسلموا من ازمات بلادهم. فقد دمر انفجار مرفأ بيروت جزءا من مستشفى سانت جود المتخصصة في معالجة الاطفال المصابين بالمرض الخبيث. وأدى الانفجار الى تعطيل اقسام طبية معنية بمعالجة الأطفال، كما أدى إلى تشرد ونزوح عدد كبير من العائلات الى أماكن سكن أخرى بعيدة، ما حال دون متابعة علاج الأطفال.