“الفستق الحلبي” بـ140 ألفاً: “عمرنا ما ناكل”!
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
أصبح دخول محلات الخضار والفاكهة في طرابلس هذه الأيام كدخول النار نفسها. فالفواكه والخضار، وهي المأكولات التي يعتمد عليها اللبناني لا سيما في أيام الصيف والحرارة، صارت أحرّ من الصيف نفسه، وأسعارها اليوم إلى جانب انقطاع الكهرباء جعلت موسم الصيف أشدّ صعوبة وإيلاماً.
وإذا ما أوردنا بعض أسعار الفواكه في الآونة الأخيرة، فإن سعر كيلو الموز قد أصبح بـ15 ألف ليرة، والعنب الأبيض بـ37 ألف ليرة والتفاح بـ22 ألف ليرة… وفي حين أن المواطن الذي كان يدخل في السابق إلى محل الخضار والفواكه فيشتري كل ما يحتاجه منها لأسبوع كامل ولا يدفع أكثر من 50 ألف ليرة، فإن مبلغ 300 ألف ليرة لم يعد كافياً هذه الأيام لشراء نفس الحاجيات ليومين أو ثلاثة.
في مثل هذه الأيام من السنة؛ يبدأ دخول الفستق الحلبي الأخضر المعروف بـ”العاشوري” إلى السوق اللبناني، وينتشر في محلات الخضار والفاكهة وكذلك في البسطات على الطرقات في مدينة طرابلس وضواحيها. وللعاشوري عشّاقه ومذاقه وتتهافت الناس على شرائه في عاصمة الشمال ومناطقه. فهو الرفيق في الجلسات والسهرات والدواوين الصيفية. في السابق وقبيل الأزمة الحالية، كان سعر الكيلو الواحد منه لا يتجاوز 15 ألف ليرة. في الموسم الماضي من العام المنصرم، تراوح سعر الكيلو الواحد ما بين 30 و 40 ألف ليرة لبنانية. من السنة الماضية إلى هذه السنة ومن موسم إلى آخر، واصل الدولار الأميركي ارتفاعه، لكن لم يكن أحد ليتوقع لا سيما عشاق العاشوري، بأن يصل سعر الكيلو الواحد منه إلى 140 ألف ليرة، أي بزيادة 100 ألف ليرة عن العام الماضي. في محل خضار وفاكهة على جسر أبو علي في طرابلس، تنزل سيدة وبنتاها من سيارتها، وكأنها رأت الفستق الحلبي الأخضر فنزلت لشرائه. سألت البائع “بقديش العاشوري؟.. فأجابها: 140 ألف ليرة.. اوف معقول” ؟؟ اشترت نصف كيلو بعد إلحاح ابنتيها عليها ومشت. ويقول أحد أصحاب البسطات على طريق الميناء البحري في طرابلس: “العاشوري فعلًا غالي هالموسم. أنا عم يوقف عليي الكيلو بـ 132 ألف ليرة.. كتير ناس بتوقف على البسطة لما تعرف سعره 140 ألفاً بيمشوا فوراً”. تشير نجوى إلى أنها تخاف أن تطلب من والدها ان يشتري لها فستق حلبي أخضر مع أنها تحبه كثيراً. وتضيف “لن أطلب كيلو فستق حلبي أخضر من والدي وأنا أعلم أن سعره صار 140 ألف ليرة؛ بينما معاش والدي كله مليون ليرة.. كنت في السابق اشتري كل يوم كيلو، لقد بت أحلم فيه وعمرنا ما ناكل”.
عندما كان ينتصف الصيف ويبدأ العاشوري بدخول الأسواق، كانت تنتشر عربات البيع في جميع أنحاء مدينة طرابلس. يحاذر الباعة اليوم شراء كميات كبيرة منه؛ فالطلب عليه هذه المرة قليل، لأن أسعاره مرتفعة جداً. يستذكر الحاج عمر السنوات الخوالي عندما كان العاشوري يباع بـ12 و 15 ألف ليرة وكل الناس تشتري ويقول: “كنا ما نلحق بيع وكانت بعض الناس بهيديك الأوقات تعتبر العاشوري غالية فشو بدك تقول هلق”؟
يمتنع أصحاب المحلات والبسطات قصداً عن وضع تسعيرة كيلو العاشوري لأنه في حال شاهدها الزبون فلن يدخل إلى المحل البتة.. كثيرة هي العائلات اليوم التي لم تعد تستطيع شراء الأطعمة والخضار والفواكه والحبوب التي كانت تفضّلها ولطالما تعودت عليها. إنه زمن الغلاء الفاحش وحرمان اللبناني من كل شيء، على أمل ألا يأتي يوم يُمنع فيه حتى من الأكل لأنه باختصار قد أصبحت أي أكلة أو فاكهة أو مزروعات موسمية معينة، تفوق قدرته الشرائية بكثير الكثير.