رجل الحلول الواقعية والممكنة
من سمع الرئيس نجيب ميقاتي في إطلالته التلفزيونية مع الزميل مارسيل غانم لم يسعه إلا أن يتفاءل بالآتي من الأيام. وهذا التفاؤل لا يعني أن الحلول المتوقعة ستكون عجائبية. فالأمور صعبة ومعقدّة ولكنها غير مستحيلة. الرجل إعترف بأنه لا يستطيع أن يحقّق ما لم يتحقق لوحده. طلب من الجميع، وبالأخص من الناس، مؤازرته في مغامرة إستعادة الثقة بالوطن أولًا، وأنه قادر على النهوض على رغم الصعاب الكثيرة، وثانيًا الثقة بقدرة اللبنانيين على إستنباط أي شيء من لا شيء.
يد نجيب ميقاتي الممدودة للجميع لا تستطيع أن تصفّق لوحدها. يريد أن يساعده الآخرون، كل الآخرين. من سمّاه لتشكيل الحكومة، ومن لم يسمّه. الجميع معنيون بعملية الإنقاذ. الوطن ليس لفئة من اللبنانيين دون سواهم، بل هو للجميع من دون إستثناء، ولا يمكن لأحد أن يتخلّى عن سلاح المعركة في منتصف الطريق. فإذا نجح نجيب ميقاتي في ما يسعى إليه يكون ذلك بفعل تضافر كل الجهود، وبالأخص جهود الناس الذين أوصلتهم الطبقة السياسية إلى اليأس وإلى الكفر بكل شيء. أما إذا لم يوفقّ في مساعيه الإنقاذية، لا سمح الله، فيكون ذلك لأن الآخرين، من دون تحديد هوية هؤلاء الآخرين، لا يريدون ان تكون للوطن قيامة، وأن يستمر معلقًا على جلجلة الأزمات.
إنطلاقة الرئيس ميقاتي في مسعاه لتأليف حكومة “الأمل” هي إنطلاقة صحيحة وسليمة، وهي تستند إلى عنصرين أساسيين: الأول، يتمحور حول نظرته الواقعية للأمور. فهو يرى معاناة الناس ويشعر بها ويتحسّسها، ويحاول قدر المستطاع التخفيف من مفاعيلها، ليس بالوعود الرنانة، وقد أصبحت ممجوجة، بل بالنظر إلى الحلول الممكنة بواقعية مطلقة، ومن خلال خطوات، ولو صغيرة، ولكن تراكمها قد يؤدي مع الوقت إلى نتائج كبيرة نسبيًا. هذا لا يعني أن المشاكل التي يعاني منها المواطنون ستحّل بمجرد تشكيل الحكومة. فالأمر يحتاج إلى الكثير من الصبر المترافق مع الكثير من العمل الحثيث وفق آلية محدّدة سلفًا، ووفق أولويات تأخذ في الإعتبار هموم الناس ومحاولة التخفيف من معاناتهم اليومية، وما يحتاجون إليه لعيش كريم ولائق. ويأتي في أولويات هذه الهموم: تأمين الدواء، وبأسعار معقولة نسبيًا، توفير المحروقات الكافية لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء والتقليل من الأضرار الناتجة عن التقنين في التيار الكهربائي، والحؤول دون إذلال الناس أمام محطات الوقود، ضبط السوق الموازية لسعر صرف الدولار، ومراقبة جدّية لإرتفاع أسعار السلع الإستهلاكية والتأكد من جودتها وصلاحيتها.
أما العنصر الثاني، الذي يستند إليه الرئيس ميقاتي في مقاربته لتشكيل الحكومة، فهو تفاهمه المستمر مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وفق النصوص الدستورية، ووفق الشراكة الوطنية السليمة للحكم، مع كامل الإستعداد للتعاون المثمر إلى أقصى درجات التعاون، وذلك من أجل إنجاح المبادرات الهادفة إلى التقليل من الأضرار التي تحاصر المواطنين من كل حدب وصوب.
يُفهم من خلال الكلام العلني وغير العلني لكل من الرئيسين عون وميقاتي أن التعاون سيكون عنوانًا رئيسيًا لمرحلة التعافي، من دون أن يعني ذلك أن الأمور مسّهلة أو أن التطابق في وجهات النظر بلغ مرحلة المئة في المئة.
من الطبيعي أن يكون لكل من الرئيسين وجهة نظر قد لا تتوافق مع وجهة نظر الآخر أو الآخرين. وهذه هي الديمقراطية التوافقية بمعناها الإيجابي، بحيث تُطرح كل الأمور على بساط البحث بشفافية ووضوح وصراحة لتأخذ حيزًا واسعًا من النقاش والمفاوضة حتى الوصول إلى تسويات أو حلول وسط، من دون أن يسجّل أحد على الثاني نقطة قد تُضاف إلى نقاط سابقة في غير محلها وفي غير آوانها.