هل نشهد تراجعاً للدولار بدءاً من الإثنين؟
أصبح معروفًا للجميع أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء لا يعكس بأي شكل من الأشكال الواقع الاقتصادي الحقيقي الموجود على الأرض إن من ناحية حجم التبادل التجاري أو من ناحية الكتل النقدية. وبالتالي تتوجّه الأنظار أكثر نحو التهريب والإحتكار والصراع السياسي كعناصر أساسية تؤجّج سعر صرف الدولار في السوق السوداء وتضع الليرة اللبنانية رهينة عصابات تُتاجر فيه مُزوّدة بتطبيقات يتمّ تحريكها من الداخل والخارج خدمة لأجندات سياسية ولكن أيضًا خدمةً لأرباح غير عقلانية وغير قانونية.
إعتذار الرئيس سعد الحريري عن تشكيل الحكومة إنعكس بشكل كبير في السوق السوداء حيث إرتفع سعر الدولار أربعة ألاف ليرة في ظرف يومين ليصل إلى أكثر من 23 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد قبل أن يُعاود هبوطه ويتأرجح عند مستوى 22300 ليرة لبنانية للدولار الواحد، ثمّ يتراجع أكثر في اليومين الماضيين.
الإستشارات النيابية المتوقّعة نهار الإثنين المقبل تعُطي الأرجحية للرئيس نجيب ميقاتي لتكليفه تشكيل حكومة تُرضي الأطراف السياسية داخليًا ولكن أيضًا خارجيًا. ولكن يبقى السؤال المحوري: هل تنعكس تسمية الرئيس ميقاتي لتشكيل حكومة إيجابيًا على الليرة اللبنانية؟
بدون أدنى شكّ، تكليف رئيس حكومة بحد ذاته عامل إيجابي وهو سيُعيد فتح نافذة في الأفق المسدود سياسيًا وإقتصاديًا. وبالتالي في حال تشكيل حكومة، هناك إمكانيات كثيرة أمام هذه الحكومة لإعادة الاستقرار إلى الاقتصاد مع الوعود الدولية بمساعدات مالية بمجرّد البدء بالإصلاحات المنشودة.
أضف إلى ذلك أنّ شخص الرئيس نجيب ميقاتي، وهو رجل أعمال قبل أن يكون رجلًا سياسيًا، يُعطي إرتياحًا في الأسواق من ناحية عدم المسّ بالأسس الليبيرالية للإقتصاد اللبناني وهو ما يُشكّل بحدّ ذاته أفقًا إيجابيةأمام الرأسماليين للعودة للإستثمار في لبنان نظرًا إلى الكّم الهائل من الفرص الإستثمارية خصوصًا إذا ما تمّ تفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص، وبالتالي سنرى حكمًا تراجعًا في الدولار في السوق السوداء أقلّه من باب إستعادة الليرة من قبضة عصابات المضاربة والتهريب. إلا أن هذا التراجع يبقى رهينة الإيجابية التي سترافق تكليف الرئيس ميقاتي.
عمليًا وفي ظل سيناريو تكليف ميقاتي الإثنين المقبل، وتشكيل حكومة، وبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فإن الدولار قد يتراجع بشكل كبير جدًا قد يصدم المضاربين على الليرة اللبنانية وهو سيكون بداية الخروج من النفق المظلم حيث أن بدء قدوم الدولارات إلى القطاع المصرفي سيؤدّي إلى عودة الحياة إلى الاقتصاد عملًا بمبدأ أن القطاع المصرفي هو عصب الاقتصاد ولا يُمكن التأمل بنمو إقتصادي وتكبير لحجم الاقتصاد اللبناني – الذي هو عامل أساسي في قوة الليرة اللبنانية – إلا بعودة القطاع المصرفي للحياة.
وإذا ما تزامن هذا السيناريو مع تطبيق جيد للتعميم 158، فإن التوقعات هي بعودة سريعة إلى مستويات أكثر من مقبولة سواء كان على الصعيد النقدي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
إلا أن كل هذا مرهون بالخيارات التي ستقوم بها الحكومة العتيدة وهذه المرّة ليس فقط على الصعيد السياسي بل أيضًا على الصعيد الإقتصادي، خصوصًا الإصلاحات إذ أنّ أي تقاعس عن القيام بهذه الإصلاحات ستكون له عواقب وخيمة على الليرة اللبنانية والتي قد تتراجع بشكل كبير أمام دولار لم يعد محصورًا بالسوق المحلّي.