مشاهد مؤلمة لمتحور جديد، سُمي بـ”دلتا” إستطاع أن يعيد بعض البلدان الى موجة قاسية من انتشار وباء كورونا، كما روسيا التي وصفت هذا المتحور الهندي بالأكثر شراسة، حتى أصبحت الدولة الأكثر تضرراً بالوباء جراء ارتفاع اعداد الوفيات والاصابات الخطيرة، حيث 89,3 بالمئة من المرضى مصابون بالمتحور الهندي.
وفي لبنان، كما في الدول العربية، الاحتمالات جميعها واردة، لا يمكن التكهن بعيداً عن التجارب السيئة، والآمال بطوق النجاة، لا يزال بعيد المدى أقلّه حتى الوصول الى مناعة مجتمعية تتجاوز الـ70 بالمئة، ولغايتة لبنان ليس بمنأى عن المتحور الهندي وخصوصاً مع قدوم المغتربين خلال الصيف، من دول تسجل اعداداً مرتفعة بـ”دلتا”.
مؤخراً، إقتحم المتحور “دلتا” الكويت كما دولا عربية اخرى. تم إكتشاف ذلك بعد ظهور نتائج التخطيط الجيني للفيروس، أمّا في لبنان فلا نتائج تفيد بذلك، سوى القلق غير المستبعد طالما يؤكد المختصون أنّ نسبة انتشار الفيروس 60 بالمئة أسرع من بقية المتحورات، ووسط مخاوف من تقويض جهود الخلاص من الجائحة.
بداية، وفي تعريف بسيط للمتحور الهندي او “دلتا”، تقول منظمة الصحة العالمية إن سلالة فرعية واحدة فقط من تحولات فيروس كورونا، اكتُشفت في الهند، ما زالت تعتبر “مثيرة للقلق”، فيما قللت المنظمة من أهمية سلالتين، مضيفة أن المتحور الهندي يعتقد أنه المسؤول عن التفشي الحاد للوباء في الهند.
وتؤكد المنظمة: “أصبح من الواضح أن هناك أخطاراً أكبر مرتبطة بسلالة بي 1.671.2 (المتحور الهندي)، فيما لوحظت معدلات انتقال أقل مع السلالتين الفرعيتين”.
وبحسب دراسة بريطانية فإنّ اعراض المتحور الهندي تتراوح بين الصداع يليه التهاب الحلق وسيلان الأنف والحمى، مؤكدة أن “السعال والحمى وفقدان التذوق والشم هي الأعراض الكلاسيكية لكورونا المستجد، والسعال هو خامس أكثر الأعراض الأكثر شيوعًا مع المتحور الهندي بينما لم يحتل عرض فقدان حاسة الشم المراكز العشرة الأولى”.
فهل بإمكان المتحور الهندي أن يصل الى لبنان.. هل سننجو؟
إذا لم يتم التقيد بالإجراءات الوقائية، فحتماً لن نكون بأمان. هذه القاعدة الاساس ودون ذلك تفاصيل قابلة للعودة الى سيناريو الصيف المنصرم المؤلم، حيث تفلتت اجراءات الحدود وتفلّت القادمون الى لبنان من كل الضوابط. وهذا العام “الصيفية” ايضاً عامرة، والقادمون من بلدان أُثبت فيها وجود المتحور الهندي سيكونون كُثرا، وبالتالي فإننا فعلياً أمام التحدي الكبير.
يشرح الاخصائي في أمراض الرئة الدكتور باسم جمعة، في حديث لـ”لبنان 24″ أنه بالنسبة الى المتحور الهندي، فهو يحمل نفس الاعراض التي عرفناها عن كورونا، وبما أنه متحور فيعني أنه يحتوي على تغير بسيط، كما قبله من المتحورات الافريقية والبريطانية. والنسخة الهندية هي رابع متحور عالمي من فيروس كورونا، إجتمعت فيه الطفرتان البريطانية والبرازيلية، حتى فتك كورونا ببعض الدول التي تشهد هذه الطفرة، وبات العالم على موعد يومي أمام هول الجثث المكدثة وسط انهيار كامل للانظمة الصحية.
بحسب جمعة، فإنّ ما يجعل هذا المتحور أكثر فتكاً، هو سرعة إنتشاره، “حوالي 60 بالمئة مقارنة بغيره من المتحورات التي تم رصدها لغاية اليوم من بداية إنتشار الجائحة. وبحسب المعلومات العلمية المتوفرة فإنّه يحمل نفس العوارض المتعارف عليها لكورونا”.
فهل اللبنانيون بأمان من “دلتا” ومن هي فئات المجتمع الاكثر خطورة بالحصول على العدوى، في حال تم إثبات وجود حالة بالطفرة الهندية؟. يجيب جمعة: “أثبتت الدراسات المتوفرة انّ الملقحين هم الفئات المحمية من المتحورات كافة بما فيها المتحور الهندي. يُضاف الى ذلك إعتقادي بأنّ من أُصيب بكورونا مرة لن يُصاب به مرة اخرى، وبالتالي فإنّ المصابين بكورونا سابقاً سواء علموا بإصابتهم أم لا، هم ايضاً بمأمن من الاصابة بـ”دلتا”.
في لغة الارقام
وفي لغة الارقام، يقول جمعة: “في لبنان، فلنقل انّ عدد المصابين بكورونا قارب المليون، وعدد الملقحين سيتجاوز المليون هذا يعني اننا قطعنا شوطاً كبيراً في المحافظة على انفسنا من اي متحورات”.
يمكن القول أننا في لبنان بأمان، ولكنّه الامان الحذر، الذي يجب أن يترافق مع حقيقة الاعداد الكبيرة التي تزور لبنان خلال الصيف، وهنا يبقى السؤال، فهل قدوم المغتربين سيؤدي الى إنتشار المرض؟. يقول جمعة: “طبعا سينشر المغتربون الفيروس المتحور بين الاشخاص الذين لم يُصابوا بكورونا وغير المطعمين باللقاحات المتوفرة في لبنان بمختلف انواعها سواء فايزر أو استرازنيكا. وهنا تأتي مسؤولية وزارة الصحة، في الكشف على القادمين من المناطق الموبؤة، والحجر عليهم مع التشدد بالاجراءات ووسط متابعة دقيقة بلا استهتار، او أنّ ذلك يعني العودة الى النقطة صفر. وهذا ما نحذّر منه”.
إذا لا خلاص إلاً باللقاح، كي يكون الجميع بأمان في ظل مسؤولية وطنية، يجب التحلي بها، حيث لم يعد بإمكان اللبناني التحدي او الوقوف في وجه الصعاب، وهو يكافح على كافة المستويات، صحياً واجتماعياً، حيث نعيش في زمن البقاء للاقوى، في بلد تنعدم فيه ظروف الحياة رويداً رويدا.