الإضراب لم يمرّ من النبطية… “ما في حدا”
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
مرّ إضراب الاتحاد العمالي العام من النبطية مرور الكرام، وحدهم موظّفو الادارات العامة التزموا به، أما الناس فلم يبالوا بالتحرّك، حتى تجار الألبسة في المدينة لم يقفلوا لمدّة ساعة التزاماً بقرار الهيئات الاقتصادية، بل إعتبروا الاضراب مثابة “مرقلي تمرّقلك” لا يخدم مصالح الناس بقدر ما يصبّ في خدمة أحزاب السلطة الذين لبّوا النداء، ولكن ضدّ من إعتصموا وأضربوا؟ يسأل أصحاب المحال التجارية، “الأحزاب هي الحاكمة وهي التي أوصلت البلد الى ما هي عليه، فضدّ من اضربت”؟ وأكثر من ذلك يقول أحد الباعة “إنّ الإضراب جاء لخدمة السلطة وليس لخدمة أزمات الناس، بدليل أنّ الناس لم تهتمّ ومارست حياتها كالمعتاد”.
هي المرة الثالثة التي يدعو فيها الاتحاد العمالي الى إضراب ويفشل، إذ سقطت أهدافه في فخّ السلطة، على حسب ما قال أحمد، صاحب أحد محال الألبسة في النبطية. لم يلتزم أحمد، كما غيره بالاضراب، ويسأل “لماذا نقفل؟ ماذا قدّم لنا الاتحاد العمالي”؟ ويرى “أن السلطة نزلت في وجه السلطة، فعلاً أمر عجيب في لبنان”، وبرأيه “الأحزاب دفعت التجّار لعدم الالتزام بالإضراب، لأنّ لا ثقة لا بهم ولا بالاتحاد، كلاهما يتحرّكان في نفس الفلك”، وبإعتقاده “أنّ الاضراب مش نافع لان الجهة الداعية تخدم مصالح السلطة وتنفّذ أجندتها، والدليل عدم ثقة احد بها والكل يمارس حياته وكأنّ إضراباً لم يكن”.
لم تشهد النبطية أي تحرّك، لم يعتصم أحد، بقيت طوابير الذلّ “شغالة”، وبقي أصحاب المحطات يتحكّمون بالناس. حتى المدن الصناعية كانت الحياة داخلها كالمعتاد، مع فارق بسيط أنّ حركة البيع خفّت بسبب أزمة البنزين الذي انعكس بشكل لافت على حركة تنقّلات الناس التي صارت محدودة جداً توفيراً للبنزين.
وفيما كان متوقّعاً أن ينتفض الناس على أزمة المحروقات وفقدان الدواء، فإن تلك الفرضية سقطت، ومن أسقطها هم أحزاب السلطة الذين، برأي الناس، خرجوا لتمرير رسائل سياسية، غير أنهم فشلوا أيضاً لأنّ أحداً لم يتجاوب معهم. يضحك أحد المنتظرين في طابور البنزين من مشهد الاضراب “ظننت أنّ الطرقات ستُقطع، والتظاهرات ستعمّ البلد من أقصاه الى اقصاه، سيّما مع تأييد كل الاحزاب له وحثّ جماهيرها للمشاركة، ولكن ما في حدا”.
لم يكن الاضراب يوم غضب شعبي، بقي مجرّد تحرّك فاقد للشرعية الشعبية، حتى انه فاقد لثقة الناس الرازحة تحت وطأة كومة أزمات، “ليش بدي سكّر؟” يسأل أبو علي صاحب محل لبيع الأحذية في منطقة النبطية، بنظره “الإضراب جاء ضربة كفّ للاتّحاد والاحزاب معاً”، والاضراب الحقيقي هو الذي يخرج من رحم اوجاع الناس وليس من رحم السلطة التي خرجت بأحزابها لتلمّع صورتها بعدما سرقت كل شيء”، ويتحسّر على النقابات العمّالية “رزق الله على عمل النقابات، كانت الضربة القاضية للسلطة، اليوم باتت لسان السلطة”، وأكثر ما يستفزّه “أنّ الاحزاب تحرّكت بوجه الدولة، وهذا كل العجب، فمن المسؤول عن الازمات اذاً؟ ومن الفاسد؟ من سرق الدواء وتلاعب بالمواد الغذائية وافتعل ازمة البنزين ويتحكّم بمفاصل البلد؟ نحن أم سلطة الأحزاب”؟ ويقول: كفى ضحكاً عاللحى، اللعبة مفضوحة”.
في خلاصة المشهد، أضيفت الى سلّة الأزمات المتراكمة ازمة ثقة جديدة، فوسط تراشق الاتهامات بين الزعماء، وتحويل الشارع أداة مشفّرة للرسائل السياسية، وقف الشعب على الحياد متفرّجاً على مسرحية السلطة الهزلية، غير أن سؤال محمد “متى يقلب الشعب الطاولة على رؤوس الكلّ، فالجوع اصابهم دون احزاب السلطة؟” يبدو أكثر منطقياً وسط معمعة الاضرابات الفاشلة لاتحاد لم يمثّل العمال يوماً، بحسب قوله.