السياحة في عالم الوطاويط
كتب راجح الخوري في “الشرق الأوسط”:
في بداية الأسبوع الماضي، كان وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر يزفّ البشرى السعيدة، إلى الشعب بأنهم ذاهبون إلى العتمة الكاملة منتصف أيار الحالي، أي هذين اليومين، وخصوصاً بعدما قرر مجلس شورى الدولة رفض تقديم سلفة الفيول إلى شركة الكهرباء، تأكد أن اللبنانيين لا يذهبون إلى جهنم التي تشّع بالنيران المتأججة كما سبق وقال لهم الرئيس ميشال عون قبل شهرين، بل إلى عالم «إيريبوس» الذي يمثل في الميثولوجيا الإغريقية، القسم السفلي الدامس الذي يقع إلى جانب «هاديسوس» عالم الأموات.
لا شك أن وزير السياحة البروفسور رمزي المشرفية قرأ عن هذا، ولهذا كانت الدهشة القصوى عندما قرأ اللبنانيون أنه صعد على رأس وفد نقباء أصحاب الملاهي والمطاعم والفنادق، إلى القصر الجمهوري حيث قابلوا الرئيس عون، الذي شدد على أهمية السياحة في الاقتصاد المنتج، ولا سيما لبنان الذي يمتلك (يمتلك؟) جميع المقومات السياحية الطبيعية والإنسانية والحضارية، الذي يجذب السياح من دول العالم إليه، مؤكداً قيامه بكل ما يلزم من أجل تفعيل السياحة على كل الأراضي اللبنانية، ولا سيما أن هدفنا الدائم هو إعادة بناء اقتصادنا على أسس منتجة وسليمة!
عظيم جداً، ولكن الصورة ستنقلب رأساً على عقب عندما نتذكر أننا ذاهبون إلى العتمة الكاملة، ونحن البلد الذي تبجح زمناً طويلاً بأننا بلد النار والنور، وليس واضحاً طبعاً إذا كانوا في ذلك الاجتماع، توقفوا لوهلة أمام القول إن لبنان سيغرق في العتمة الكاملة، بما يعني عملياً أنه يعود إلى العصر الحجري!
ليس خافياً على أحد من المسؤولين الذين يستبشرون على ما يبدو بموسم سياحي ممتاز يساعد لبنان على النهوض، أننا ذاهبون إلى العتم، وفي غياب الكهرباء أهلاً بنا وبكم في العصر الحجري…
لا لمبة، لا تلفزيون، لا مصعد، لا إنترنت، لا هاتف، لا طبخ، لا فنادق، لا غسالات، لا مصارف، لا بنزين، لا مازوت، لا سينما، لا مسرح، لا دواء، لا مستشفيات، لا لحوم، لا ألبان، لا حليب، لا مثلجات، ولا من طريق يمكن ألا تتعثر عليه ليلاً، ولا إسعاف ينقلك إلى المعالجة.
في عام 1902 كتب البريطاني جوزيف كونراد روايته الشهيرة «Heart of Darkness»، تحدث فيها عن رحلة إلى مجاهل الكونغو في ذلك الحين وانتهى «بخلاصة إمبريالية» طبعاً لكنها معبرة تماماً وتنطبق على ما سيؤول إليه الوضع في لبنان، عندما أجرى مقارنة بين أنوار لندن ومجاهل أفريقيا، قال فيها إنه الفرق بين الشعوب المتحضرة وبلاد المتوحشين!
ومباشرة ومن دون أي تردد، دعونا نسأل: عندما يغرق لبنان في العتمة، سيظهر الفرق سريعاً بين ما كان عليه من نار ونور، وصار عليه من توحش وظلام، وإذا كان الرهان على السياحة العربية والخليجية، فكل نقطة في الخليج اليوم تشعشع مثل لندن، أما لبنان فهو الكونغو قبل 100 عام… مفهوم.
إلا إذا كان الذين يراهنون على موسم سياسي مزدهر يفترضون أن السياح العرب هم من وطاويط الليل وخفافيش الكهوف والمغاور، ويريدون قدح الصوان لإشعال النار، رغم أنهم وقد تعدوا السياحة إلينا بطائراتهم وسياراتهم الفخمة وملياراتهم السخية، سينسون الكهرباء ويأتون بالإبل والأحصنة وخيام الشعر وينامون جوعى في الساحات الدامسة حباً بلبنان الذي يسمعهم بعض أهله الشتائم ليل نهار!
تحية إلى بيار الأشقر، لأنه قال لعون: «إننا لا نزال قادرين على أن نكون في طليعة الدول السياحية، ولا سيما إذا تمّ الاتفاق السياسي، وعاد التلاقي مع الأشقاء العرب والأصدقاء الأجانب»… وطبعاً إذا خرجنا من عالم الظلام السفلي!
ولكن من أين وكيف إذا كان وزير الطاقة ريمون غجر الذي وقف قبل أيام يحذر اللبنانيين من الغرق في العتمة، لا يعلم أن وزارة الطاقة والمياه التي يرأسها لم تدفع الفواتير المترتبة عليها، والتي تبلغ 811 ملياراً و634 ألف ليرة لبنانية، إضافة إلى أنه ليس في كل الدولة اللبنانية، وزارات ومحاكم مدنية وروحية ومؤسسات أمنية وعسكرية، ومستشفيات حكومية، ومؤسسات نيابية ودستورية، إضافة إلى كل مصالح المياه، حتى مناطق عدة لا يجرؤ الجباة على الذهاب إليها لتحصيل الفواتير وإلا عادوا مرجومين بالحجارة.
ويترتب على البلديات 250 ملياراً، وعلى المخيمات 280 ملياراً، وعلى اللاجئين السوريين 240 ملياراً، في حين تدفع الدولة اللبنانية لسوريا مبلغ 40 مليون دولار في السنة ثمن استجرار التيار منها… ومع النهب والنصب والسرقات كبّدت الكهرباء الدولة اللبنانية 54 ملياراً من الدولارات، أي نصف الديْن العام. ورغم هذا، يطالب وزير الطاقة بـ200 مليون دولار من أموال المودعين الذين نهبتهم الدولة، وإلا سيدخل بلد النار والنور «عالم إيريبوس» الدامس فينزل تحت الجحيم، في حين يدرس المسؤولون كيف سيشجعون السياح على المجيء إلى عالم الوطاويط الدامس!