مأساة وفاة سيدة لبنانية: يومان في المستشفى دون دواء أو مياه أو فحوص طبية… وزوجها يؤكد: زوجتي توفيت نتيجة الإهمال والظلم ‘راحت هيك’!
قصة “كاملة عتر” تكشف الكثير عما يجري في أروقة بعض المستشفيات. نعرف أنه لا يجوز التعميم كما لا يجوز التغاضي عن بعض الحالات التي انتهت بطريقة مأسوية وحزينة. قررت عائلتها مشاركة تجربتها “مع انو الغالي راح بس كرمال غير مرضى”. اليوم كسر زوجها الصمت ليروي ما جرى مع رفيقة دربه “قبل أن تموت ظلماً وإهمالاً” وفق قوله.
ترددت في الآونة الأخيرة أخبار حول “وفيات مشبوهة ب#كورونا وقصص إهمال”، بعض هذه القصص بقيت عند عارفيها رافضين مشاركتها أو الحديث عها في الإعلام، فيما البعض الآخر قرر فضح المستور ومشاركة تجربتهم في العلن.
من بوست لابنتها عبر صفحتها على الفايسبوك، إلى اتصال مع شريك حياتها وزوج الفقيدة عبد القادر عتر الذي يروي لـ”النهار” رحلة العذاب والإهمال التي عاشتها كاملة في أيامها الأخيرة. يقول “اشتكت زوجتي من ألم في أذنها سرعان ما أدى إلى ظهور دم فيها، بالإضافة إلى إغمائها وضياعها بين الحين والآخر. ارتعبنا من التغييرات السريعة التي بدأت تظهر عليها وطلبنا سيارة اسعاف لنقلها إلى مستشفى المظلوم. كنا خائفين من أن تكون مصابة بجلطة، إلا أن للمستشفى بروتوكولاً خاصاً يتوجب اعتماده قبل إسعاف أي حالة طارئة، وأولها التأكد من عدم إصابتها بفيروس #كورونا”.
كنا نتفهم خوفهم، ونعرف جيداً أن هذه هي الشروط لإستقبال أي مريض، لم نرفض اجراء الفحص ولكننا كنا نطالبهم بإجراء فحوص أخرى وصورة للرأس خوفاً من حدوث جلطة. صدرت النتيجة الأولى بعد منتصف الليل، تقول “إنها لا سلبية ولا إيجابية”، وبالتالي علينا إعادة الفحص مرة جديدة. وفي اليوم التالي تبلغنا أن نتيجتها إيجابية وأن زوجتي مصابة بالكورونا برغم من أن أعراضها لا تتشابه مع أعراض الفيروس. تجرعنا كأس “همروجة الكورونا” مع علمنا أنها تعاني من مشكلة صحية أخرى، ومع ذلك بقيت زوجتي على سرير في غرفة الطوارئ في مستشفى المظلوم ليومين، في ظل اتصالات كثيفة لإيجاد سرير لها في أحد المستشفيات. وأخيراً وجدنا سريراً لها في مستشفى الراسي مع توصية بالاهتمام بها، و”يا ريت ما لقينا محل”.
ليس سهلاً أن تسترجع كل هذه الذكريات، لم تجف بعد الدموع والألم ما زال كبيراً جداً. يتابع عبد القادر تفاصيل قصته قائلاً “انتقلت زوجتي بسيارة الإسعاف إلى مستشفى الراسي، ولحقنا بها بعد ساعتين. اتصلنا بقسم الكورونا للاطمئنان عليها، كنتُ أريد متابعة حالتها والتأكد من تناولها كل أدويتها (السكري والضغط)، لم أتوقع أن اسمع هذا الجواب الصادم من الممرضة “ما عطيناها شي بعد، ما كان معها أدوية بس إجت”. تفاجأت من ردها، وشرحت لها أن في حوزتها حقيبة تحتوي على كل شيء وملفاً طبياً مرسلاً من مستشفى المظلوم يُفيد بتوقيت الأدوية وعيارها. أقفلت الخط، لم أكن مطمئناً لنتيجة ما سمعته، شاركت مخاوفي لشقيقي الذي كان برفقتي، لكنه قال لي “طوّل بالك، وان شاء الله بيهتموا فيها متل ما وصيناهم”.
لم يكن أمام عبد القادر وعائلته سوى الانتظار ومعالجة كاملة حتى تعود إلى منزلها، ولأنه ممنوع على أحد زيارتها بسبب الكورونا، كان أولادها ينتظرونها أمام المستشفى يومياً حتى تشعر بوجودهم، فترتاح أنهم إلى جانبها. يشرح عبد القادر أن “في اليوم الثالث وبينما كان أولادي ينتظرون والدتهم أمام المستشفى، نادتهم الممرضة لنكتشف أن كاملة وقعت من على السرير، وطلبت من أولادي أن يساعدوها للنهوض. كان المشهد صادماً، لماذا وقعت زوجتي؟ أسئلة كثيرة سرعان ما بدأت تكشف عن فضائح الإهمال التي رافقت زوجتي أثناء وجودها هنا. لم نصدق ما كنا نسمعه ونراه، لم تأخذ زوجتي حبة دواء طيلة يومين، كما أن زجاجات المياه بقيت مختومة ولم تكن تشرب ولا تأكل برغم من إرسالنا الطعام لها يومياً. “أقسم بالله العظيم أن ما يؤلمني هو ما مرّت به زوجتي خلال تواجدها في هذا المستشفى، “شو عملوا فيها، روّحوها هيك”.
رويداً رويداً، لاحظ أولادها الذين دخلوا إلى غرفتها الإهمال الفاضح الموجود، لم يكن أحد يدخل إلى غرف المرضى وتلبية حاجاتهم، حتى إن ابنتي ساعدت مريضة موجودة بالقرب من سرير أمها للنهوض، والممرضة طلبت منها أن “ترفع الديجنتور” بعد انقطاع الكهرباء، كان الإهمال سيد الموقف، الأمر الذي دفعنا إلى اتخاذ قرار بإخراجها من المستشفى سريعاً.
أجرينا الاتصالات اللازمة، وفق رواية عبد القادر، “وبعد الحديث مع الطبيبة المتابعة لحالة زوجتي، سمحت لنا بإخراجها برغم من معرفتها أن “نسبة الأوكسجين كانت قد وصلت إلى 60، وبالتالي يتوجب عليهم ادخالها إلى العناية وليس السماح لها بالخروج إلى المنزل. لكننا لم نعرف بذلك إلا بعد فوات الأوان. لم تصمد كاملة طويلاً، في الليلة نفسها توفيت وهي في طريقها إلى المستشفى. تدهورت حالتها سريعاً، ورحلت ظلماً من هذه الحياة. لم تخضع زوجتي لأي فحوص أو صور شعاعية لمعرفة سبب نزيف أذنها أو فقدانها الوعي، وهذا ما يؤلمنا اليوم، لم تتلق العناية المطلوبة برغم من وجودها في المستشفى”.
برأي عبد القادر أن “زوجتي توفيت نتيجة الإهمال وليس كورونا، ولو كانت مصابة بالكورونا لماذا لم يصب أحد منا بالفيروس بعد تواجدنا معها في المنزل وفي المستشفى. لا أطالب بمردود مادي، ولكنهم حرموني من شريكة حياتي، لا أصدق أنها رحلت بهذه البساطة “عم قوم بالليل فتش عليها بالبيت”، الله لا يسامحهم شوعملوا فينا. لا أحد يعوّض علينا رحيلها، ولكن ما يعذبنا اليوم “ما عاشته من ظلم وإهمال، هذا مسلخ وليس مستشفى، راحت كاملة هيك”.
yasour