سقوط دعم المستلزمات الطبية: تسعيرة الاستشفاء الجديدة بالأرقام
بدأت ورقة الدعم تسقط تدريجياً، وإن بشكل غير مباشر. عمد مصرف لبنان إلى إسقاطها عن كاهله في ظل غياب الحكومة، وتجاهلها التام لما يمكن أن تؤول إليه أوضاع المواطن، مع رفع الدعم عن المستوردات قبل تأمين بدائل تخفّف من حدة السقوط في دوامة الفقر.
لم يُعلن مصرف لبنان وقف تمويله عمليات الاستيراد، وإن كان توقف فعلاً عن تغطيتها. لم يجاهر بالأمر بل اكتفى بالإيعاز إلى الوزراء المعنيين بـ”التريث”، وعدم توقيع ومنح موافقات جديدة على شحنات مستوردة من المواد الغذائية واللحوم والمستلزمات الطبية والمعدات وغيرها. بمعنى آخر سُحب بساط الدعم من تحت العديد من المنتجات المستوردة بشكل أو بآخر، وأكثرها خطورة المستلزمات الطبية التي تدخل بشكل مباشر في فاتورة المرضى الإستشفائية.
الدعم لم يُرفع ولكن…
قد يستغني الفقراء الجدد عن الكثير من احتياجاتهم المعتادة، حتى الضرورية منها، لكن لا يمكن الاستغناء أو التهاون بمسألة الصحة. فهل لا يزال بإمكان الفقراء ومتوسطي المداخيل الحصول على حق الطبابة والاستشفاء في ظل رفع الدعم عن المستلزمات الطبية؟ وهل رُفع الدعم فعلاً؟ وكيف ستصبح تكلفة الطبابة والاستشفاء في مستشفيات لبنان في مرحلة ما بعد الدعم؟
أعلنت نقابة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية، باسم الشركات المستوردة، أنها ستضطر للتصرف بالبضائع الواصلة حديثاً على أنها غير مدعومة، بسبب عدم قبول العديد من المصارف الملفات الجديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من مصرف لبنان، باعتبار أن آلية الدعم الجديدة لم تتضح معالمها وآليتها بعد.
قرار الشركات المستوردة للمستلزمات الطبية يعني أن بضائعها ستُباع للمستشفيات أضعاف ما هي عليه اليوم. وتالياً، ستتضاعف فواتير المستشفيات معها. وهو ما أكدته نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية في لبنان، سلمى عاصي، في حديثها إلى “المدن”، بالقول “تبلغنا من المصارف عدم قبول أي ملفات إلى حين وضع آلية الموافقة المسبقة. وهذا الأمر يعني أن البضائع التي وصلت الى لبنان، ولم تستحصل بعد على موافقات الدعم من مصرف لبنان، في حين أن المرضى يحتاجونها، سنضطر إلى بيعها بسعر غير مدعوم. أما من استحصل من الشركات على موافقات بدعم بضائعه المتواجدة في السوق فعليه بيعها وفق سعر مدعوم”.
الفوضى وقعت
ما تقوله عاصي يعني أنه بات في المستشفيات اليوم منتجات ومستلزمات طبية مدعومة وأخرى غير مدعومة. وربما المنتج نفسه متواجد في المستشفيات، مدعوماً وغير مدعوم. وهذا الأمر سيدفع إلى فوضى عارمة وخطرة جداً.
غير أن الفوضى لم تبدأ منذ اليوم، ولم تترافق مع تغيير مصرف لبنان لآلية الدعم وحسب، إنما بدأت منذ مدة، بسبب تلاعب بعض المستوردين بالأسعار. فمستوردو المستلزمات الطبية كان لهم اليد الطولى برفع قيمة الفواتير الاستشفائية رغم وجود الدعم.
فالفوضى تستحكم بقطاع المستلزمات الطبية منذ مدة، على ما يقول نقيب المستشفيات، سليمان هارون، في حديث إلى “المدن”. ولا شك أن هناك بعض المستلزمات تم رفع الدعم عنها كالمعقمات. وهذا أمر واضح. لكن ما هو غير مقبول أن ندفع أسعار منتجات مدعومة بسعر غير مدعوم. ويؤكد هارون أن فوضى تامة تعبث حالياً بتسعير المستلزمات أي قبل رفع الدعم “إذ لم نعد نعرف تماماً ما هي المستلزمات المدعومة وتلك غير المدعومة”.
ويتلاعب بعض المستوردين بتسعيرة المواد المدعومة التي عليهم تسليمها للمستشفيات بنسبة 85 في المئة وفق سعر صرف 1515 ليرة، و15 في المئة وفق سعر صرف المنصة أي 3900 ليرة. إلا أن البعض يصر على بيع المستشفيات مستلزمات طبية بنسبة 85 في المئة وفق سعر صرف 1515 ليرة و15 في المئة وفق سعر صرف السوق أي 12500 و13000 ليرة، يؤكد هارون. كما أن لكواشف المختبرات أزمة أخرى، وحسب هارون، فإن غالبية كواشف المختبرات مقطوعة من الأسواق. أما المستوردون، فيقولون انها غير متوافرة لديهم. وعلى سبيل المثال هناك اختبار Troponin غير متوفر. وهو يُستخدم لكشف المرضى المعرضين لذبحة قلبية. فالكواشف لهذا الفحص مقطوعة من السوق، وفق ما تدعي الشركات المستوردة.
المستشفيات تتحدى المستوردين
المستشفيات تعاني منذ مدة مع مستوردي المستلزمات الطبية، الذي يرمون الأزمة عليها. وهذا الأمر غير مقبول، يقول هارون. وفي حال استوردوا بضائع ولم يستحصلوا على موافقات من مصرف لبنان على تغطيتها بالدولارالمدعوم، فهذه مشكلتهم وليست مشكلة المستشفيات. ويسأل: كيف يمكن أن يسلّموننا مستلزمات طبية من دون دعم، في حين أن مصرف لبنان قد يمنحهم الموافقات عليها لاحقاً. حينها ماذا ستكون النتيجة؟ ويجزم هارون بأن المستشفيات لا يمكنها أن تخاطر وتتسلم بضائع وفق سعر دولار السوق السوداء، تحت ذريعة أن مصرف لبنان تأخر بتغطيتها للمستوردين.
تكلفة الاستشفاء بعد رفع الدعم
في حال نفذت الشركات المستوردة للمستلزمات الطبية قرارها، القاضي بتسليم المستشفيات البضائع الموجودة حالياً، والتي لم تستحصل على موافقات مسبقة للدعم، كيف ستصبح تكلفة الفواتير الإستشفائية، خصوصاً أن الجهات الضامنة تغطي على سعر صرف 1500 ليرة؟ وهنا توضح عاصي أن الاسعار ستتضاعف، ما يعني أن الخيط المخصص للجروح وتبلغ تكلفته دولاراً واحداً، أي أن الجهات الضامنة تغطيه بـ1500 ليرة فقط، ستصبح تكلفته 12500 ليرة أو 13000 ليرة حالياً. وراسور القلب البالغ ثمنه 1500 دولار ويتم تغطيته بـ2 مليون و750 ألف ليرة من الجهات الضامنة، بات سعره الحقيقي اليوم 18 مليون و750 ألف ليرة. وتسأل من سيسدد فارق السعر؟ المريض طبعاً.
ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية من شأنه أن ينعكس مباشرة على فواتير الاستشفاء، التي لن يتمكن الفقراء ومتوسطي المداخيل، وحتى الذين يُعدون اليوم من الميسورين، من سدادها. فالفواتير، وفق هارون، ستتضاعف أقله 8 مرات في حال استقرار الدولار عند سعر 12500 ليرة. وعلى سبيل المثال، ستصبح تكلفة إجراء عملية تغيير ورك نحو 100 مليون ليرة وعملية تركيب رسورين فقط للقلب بين 70 و80 مليون ليرة. حينها لن يتمكن من تحمل تكلفة الاستشفاء سوى الأغنياء فقط، وقد لا تستمر العديد من المستشفيات والجهات الضامنة.