اشتباكات بين المهربين اللبنانيين والسوريين وجيش “النظام” بأراضي القاع
في وقت تتكدس الدلائل حول “فلتان” المعابر البرية غير الشرعية بإتجاه سوريا، واستقوائها على رقابة السلطات الشرعية وأجهزتها الأمنية، ارتفعت قبل أيام صرخة استغاثة بـ”الدولة وقواها العسكرية”، من قبل رئيس بلدية القاع، آخر قرى البقاع الشمالي المتلاصقة مع الأراضي السورية، حتى تستعيد السيطرة على أراضيها المحاذية للحدود، وتضع حداً لما بات يُعرف في تلك المنطقة الحدودية “محميات أمنية”، تستخدم أراضي القاع، كما سائر معابر القرى الحدودية، منطلقا لتجارتها غير الشرعية مع الجانب السوري، مستنزفة بذلك آخر مقومات صمود الاقتصاد اللبناني عبر تهريب مواده المدعومة إليها.
الاستيلاء على الأملاك
ليست المرة الأولى التي يرفع فيها رئيس البلدية، بشير مطر، الصوت اعتراضاً على واقع حدودي لا يعرف الهدوء في منطقة القاع. إلا أن صرخته هذه المرة، تأتي على خلفية اشتباك مسلح بين “مهربين” لبنانيين وسوريين، حاول كل طرف خلاله تعزيز سيطرته على المواقع الحدودية الاستراتيجية المستخدمة في تهريب البضائع، وربما أيضاً الأشخاص. كما أنها تزامنت مع ما تشهده مناطق الهرمل والقاع من حوادث سلب واستيلاء على الأملاك، تطال المواسم الزراعية والماشية، لتبيعها إلى سوريا، مروراً بالمعابر غير الشرعية، فيما تبدو الدولة وأجهزتها الغائب الأكبر بوضع الحد لمثل هذه الارتكابات.
يشرح مطر لـ”المدن” طبيعة الموقع الذي شهد هذا الاشتباك قبل نحو أسبوع، على مسافة قريبة جداً من الحدود السورية. ويوضح أن هذا الموقع كان قد أخلي كلياً من خيم النازحين خلال فترة الأحداث السورية، حمايةً لجيش النظام السوري من معارضيه، الذين كانوا قد زحفوا بالمئات بإتجاه أراضي مشاريع القاع.
إلا أنه مع انتهاء الأحداث في سوريا، عاد جيش النظام السوري وسمح باستحداث عدد من الخيم، هي عملياً تقع ضمن الأراضي اللبنانية، ولكنها أقرب إلى سيطرته على المعابر الحدودية.
ويرفض مطر الادعاء بأن هذه الأراضي هي من ضمن المناطق المتداخلة عقارياً، مؤكداً أن كل الأراضي الحدودية في هذه المنطقة مرسمة بشكل واضح. وهناك جزء صغير منها موضع خلافات، ولكنه مع ذلك مفصول بساتر ترابي يضع حداً بين الأراضي اللبنانية وتلك السورية.
عشائر الهرمل تتدخل
في اعتقاد مطر أن الجيش السوري الموجود عند هذه الحدود يسهل عملية تهريب البضائع إلى مناطقه، وأن الخيم التي أعيد تثبيتها في المكان هي لتأمين سيطرة هؤلاء المهربين على هذه المعابر. إلا أن ذلك أزعج تجار التهريب من عشائر الهرمل، فحاولوا استعادة الموقع لسطوتهم، وعندها وقع الاشتباك بين الطرفين.
وإذ يؤكد مطر بأن جميع أراضي هذا الموقع هي ملك الجمهورية اللبنانية وبالتالي بلدية القاع، يتحدث عن صعوبة في تطبيق القوانين اللبنانية والقرارات التي تتخذها البلدية، بسبب أمر واقع فرضته “عصابات تهريب” من الطرفين، وتسيطر بإسم العشائر على جزء من هذه المنطقة، ولا سيما في المحلة المعروفة بالمشرفة.
تحول “وضع اليد” على هذه المحلة كدملة تعيق تقدم البلدية في مخططاتها، لإزالة التعديات واستكمال مشروع الضم والفرز الذي تطالب به البلدة منذ سنة 1997. فكلما حاوت البلدية إزالة تعد في منطقة مشاريع القاع أو سواها، ووجهت بأنها إذا لم تكن قادرة على تطبيق أنظمتها في المشرفة، لن يسمح لها بذلك في غيرها من الأماكن. وهذا ما يعمم حال الفوضى في التعديات والإستملاكات، ويخلق واقعاً غير مريح، يعيق جهود بلدية القاع وأهلها للاستفادة من بعض المشاريع، التي تجذب زواراً جدداً إلى المنطقة ولا سيما في موسم الصيد.
عصابات ومجموعات مسلحة
ما تشكو منه بلدية القاع، يشكو منه أيضا باقي أهالي قرى الهرمل المجاورة، الذين باتوا رهينة لعدد محدود من مهربين وخارجين على القانون، يعممون حالة فوضى حدودية تستنزف حتى قدرات أهالي المنطقة على الصمود.
في المقابل يستبعد مطر أن تكون أياً من بيئة حزب الله أو عشائر الهرمل الفعلية مستفيدة من تعميم مثل هذه الفوضى، مؤكداً أنهما لا يمكن أن يقبلا بأن يجوع الشعب اللبناني ويذل على محطات البنزين والمازوت لتشبع سوريا. ومشدداً على أن المستفيدين من كل عمليات التهريب هم حفنة من العصابات التي تتحكم بمصير هذه المنطقة وأراضيها.
ولكن أبعد من تهريب البضائع، يعتبر مطر أن الخطر الحقيقي هو في استخدام هذه المواقع كبؤر لإدخال المسلحين وإيوائهم، لقاء حفنة من الدولارات. وخصوصاً في ظل عودة الحديث عن تحرك الخلايا الإرهابية مجدداً. علماً أن لدى القاعيين خشية دائمة من استخدام أراضيهم كمعبر للإرهاب، ويذكّرون تكراراً بالهجمات الإنتحارية التي استهدفت البلدة عام 2016 وحصدت تفجيراتها عدداً من الضحايا في البلدة، إثر احتدام الأحداث في سوريا.
ومن هنا يطالب مطر بمركز مراقبة دائم للجيش اللبناني، تكون مهمته وضع كل المنطقة الحدودية “المنبسطة” مع سوريا تحت مراقبتها الدائمة، والحد من حركة التهريب والمهربين.
وبرأي مطر، فإنه من دون هذه المواكبة الأمنية والعسكرية لن تتمكن بلدية القاع من فرض قوانينها بالتساوي على كل أراضيها العقارية، ولن تتمكن من استكمال مشروع الضم والفرز، الذي ترى فيه فائدة معممة على اللبنانيين. ويكشف عن توجه لدى البلدية لتخصيص مساحات من أراضيها لاستثمارها في زراعات استراتيجية تؤمن الأمن الغذائي اللبناني، بظل استمرار تأزم الواقع الاقتصادي. ويشدد مطر على أن التهريب لن يتوقف إذا لم يتم إبعاد الجميع عن المواقع الحدودية الحساسة، ووقف التعديات فيها، ومن ضمنها تلك الموجودة في أراضي القاع العقارية.
المدن