ما أضيق العيش لولا فسحة “الواتس آب”!!!
بسبب عطل طارىء عالميا توقّفت خدمة “الواتس آب” عن اللبنانيين لمدّة نصف ساعة تقريبًا فقامت قيامتهم ولم تقعد، وباتوا في حال ضياع تام كأن مصيبة كونية حلّت بهم، ولعلها في نظرهم أفظع من جائحة “كورونا”، وذلك نظرًا إلى ردود الفعل التي رُصدت بكثرة في أقلّ من نصف ساعة.
البعض يرى في الأمر ما يستحقّ كل تلك الضجة و”الهيصة” بعدما أصبح “الواتس آب” الوسيلة شبه الوحيدة للتواصل بأقل كلفة ممكنة، خصوصًا بعدما باعدت الإجراءات الوقائية الناس بعضها عن البعض الآخر، وقد إستحالت اللقاءات المباشرة أمرًا غير مستحبّ ولا يُنصح به بعدما تكاثرت حالات الإصابة بهذا الفيروس المتنامي والمتكاثر.
أمّا البعض الآخر، وعلى رغم إقراره بأن “الواتس آب” قد اصبح من مستلزمات الحياة اليومية، فرأى في المبالغة بالإعتماد على هذه التكنولوجيا الحديثة ما يدّمر الحياة الإجتماعية والعلاقات الجيدّة بين الناس، وإلغاءً للعادات والتقاليد التي كانت الأساس في تنمية العلاقات البشرية.
إن الإعتماد على “الوتس آب”، وعلى غيره من وسائل التواصل الإجتماعي، بهذا الشكل الهستيري، أفقد الناس حميمية العلاقات الأسرية، بحيث أصبحت الجلسات العائلية مقتصرة على إنكباب كل فرد منها على هاتفه الخلوي ، إما بالتواصل مع الآخرين عبر “الواتس آب” أو “الفايس بوك” أو الإنستغرام” أو “التيك توك”، وقليلًا ما يتمّ تبادل الأحاديث بين بعضهم البعض أو مناقشة أمر يستحق المناقشة. من هنا، ووفق باحثين إجتماعيين، فإن التباعد بين افراد الأسرة الواحدة بدأ يأخذ مناحي خطيرة، بحيث أصبحت الحياة الأسرية مهدّدة بالزوال، خصوصًا في ما يتعلق بين الزوج وزوجته، وبين الأهل واولادهم.
وفي رأي هؤلاء الباحثين الإجتماعيين فإن الحياة العائلية التي كانت تميّز العائلات اللبنانية بدأت تتفكك شيئًا فشيًا وبدأت تأخذ اتجاهات شبيهة بالحياة الغربية، التي إنعكست تفخسًا مخيفًا داخل الأسر، وتزايدًا غير مسبوق في حالات الطلاق وتأثير ذلك في شكل كبير على نفسية الأطفال، الذين أصبحوا يعيشون في عالم خاص بهم، بعيدًا عن أي مراقبة من قبل الأهل .
ولا ننسى أن بداية الثورة يوم 17 تشرين الأول من العام 2019 كانت بسبب أخبار تناقلتها مواقع التواصل الإجتماعي عن نيّة وزير الإتصالات في الحكومة السابقة محمد شقير بفرض عشرة سنتات على كل مكالمة على “الواتس آب”، فكانت بداية البدايات التي لم تتوقف، وإن خبت بعض الشيء ولبعض الوقت، ولكنها مستمرّة بأشكال متعدّدة حتى تحقيق غاياتها، خصوصًا بعد تردّي الأوضاع الإقتصادية والمالية والإجتماعية ووصولها إلى الحدّ اللامعقول واللامقبول.
إنه عالم مختلف عمّا سبقنا من ايام يُجمع الجامعون على أنها كانت الأجمل والأكثر إنتاجية.
lebanon24