لبنان

بعدَ إحراجهِ وإخراجهِ.. الحريري يردّ الصّاع صاعَين

“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني

“لو كان رفيق الحريري بينَنا اليوم لَفعل الأمر نفسه”…

بِهذا الجواب سيردّ الرئيس سعد الحريري على المبادرةِ الأخيرة التي قام بها في سبيل حلّ العقدة الشيعيّة والذهاب بأسرع وقتٍ نحو تأليف حكومة تنسجمُ مع الواقع الحالي لمعالجة كل الأزمات العالقة، وفي طليعتها الأزمة الإقتصادية الخانقة.
لم يَكد الإعلام اللبناني ينهي تلاوة بيان الرئيس سعد الحريري المُغمّس بـ”السمّ” بحسب وصف أو اعتراف الحريري نفسه وتجرّعه له، حتّى افتّتح مزاد علني في الرّدح والتصويب لكل من أراد أن يدلي بدلوه، سواء من الأحباب وبالطبع همّ كُثرٌ ويشكلون الأغلبية، والخصوم الذين ورغم قلّتهم، رأوا أنه بيان تنازلي وانكساري ومُحبط للبنانيين عموماً، ولأهل السُنّة خصوصاً.

هذا الرأي الأخير، لا يُلغي بطبيعة الحال، بأن بيان الحريري بحدّ ذاته، يُمثّل إلى حدّ ما تراجعاً سياسياً أمام “الثنائي الشيعي” وتحديداً “حزب الله”، في وقت ينتظر فيه أصحابه مزيداً من الحدّة والمواجهة وذلك لشعورهم بالإحباط والإستهداف، من جرّاء بعض التسويات والممارسات سواء التي قام بها الحريري أو غيره من رؤساء الحكومات السابقين، ولعلّ أبرزها، تلك التي أقامها مع “التيّار الوطني الحر” والتي أوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وما استتبعها من حروب سياسية مع النائب جبران باسيل والتي ما زال يدفع جمهور “الأزرق” ثمنها نتيجة الهيمنة السياسية “العونية” على قرارات ومقدّرات البلد والتحكّم بمصيره السياسي والاقتصادي.

لكن في حقيقة الأمر، فإن الحريري ومن خلال مسعاه هذا، إنما انطلق من حساباته الوطنية لا الفئوية ولا الحزبية ولا المذهبيّة، فإبن البيت الذي اعتاد على “التسويات” التي تؤمّن مصلحة الوطن والمواطن، ارتأى في هذا الظرف الصعب أن يسير على الطريق ذاته الذي سار عليه والده. من هنا، كسر البيان الجمود السياسي وحرّك المياه الراكدة على خط بعبدا-عين التينة -حارة حريك، واستعاد من خلاله الرئيس المُكلف مصطفى أديب زخم حركته ولقاءاته، بعد أن كبّلته الإصرارات التي كادت ان توصله إلى طريق الاعتذار.

نعم، قد يكون سعد الحريري قد تجرّع السم فعلاً، وقد يكون أخطأ في مكان ما، لكن بما أن لبنان معروف بأنه بلد التسويات الداخلية ويتأثّر إلى حدّ كبير بالتسويات الخارجية، قفز الحريري بمبادرته إلى الواجهة مع شرط أساس عنوانه “لمرّة واحدة”، مُشكّلاً في حركته، دفعاً معنويّاً وسياسياً لكل من يرى أو يؤمن، أن المبادرة الفرنسية هي بمثابة خشبة الخلاص الأخيرة لقيامة لبنان من جديد.

مصادرٌ مقربة من الرئيس الحريري تؤكّد أن المبادرة بحدّ ذاتها تتخطّى المبادرات وتسهيل الأمور لقضايا تتصل بأبعاد أكبر من التأليف خصوصاً في ما يتعلّق بمطالب “حزب الله” الذي كان يأمل أن تفتح المبادرة الفرنسية له الأبواب الخارجية أبرزها ربما، جرّ الأميركي إلى حوار مباشر أو غير مباشر مع الإيراني، لتحسين شروط الأخير، وأيضاً لحصول “الحزب” على مزيد من القبض على الحكومة، وأبعد من الحكومة.

وفي ما يتعلّق بالهجوم على مبادرة الحريري سواء من المقربين أو الخصوم، ترى المصادر أنه في هجوم الفئة الأولى (الرؤساء السابقين) يبدو أنهم تفهمّوا الموضوع وتركوه وحده يقوم بمبادرته من أجل أن يحفظوا خط الرجعة. أمّا الفئة الثانية، فمن الطبيعي أن لا تروق لهم كونهم كانوا يعترضون لأسباب معينة تتعلّق بالتوازن الطائفي، فأتت المبادرة لتحشرهم وليتبيّن أن القضيّة عندهم أبعد من مجرّد تمثيل لطائفة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الجمهورية الذي يستفيد من تعنّت “الثنائي” للحصول على الوزراء الخمسة من الوزراء السبعة المسيحيين.

واعتبرَت المصادرُ أن الحكومة الحالية في حال خرجت الى النور ضمن المعطيات المطروحة حالياً، فستكون نسخة طبق الأصل عن حكومة الرئيس حسّان دياب. والحقيقة لو أن مبادرة الحريري تتلخّص بتعيين شخصية شيعية في وزارة المال، لكانت الأمور في غاية السهولة، لكن يبدو ظاهراً أن “الثنائي” ذاهب أبعد من ذلك بكثير، فهما يُريدان أن يكون على رأس هذه الوزارة شخصيّة حزبيّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بقيّة الوزارات من حصّة الطائفة الشيعية.

lebanon debate

مقالات ذات صلة