لبنان

مقابر الغرباء في طرابلس: بطالة وتسرب مدرسيّ ودولة غائبة

من المجتمع الشماليّ ومن مدينته طرابلس،حيث تلتقى أصوات المآذن برنين أجراس الكنائس،هناك بين عجقة الناس واصوات بائعي الخضار.

في زاوية يغشاها الظلام و تسيطرعلى سمائها رياح صامتة، تحمل في نسائمها انين الجوع وآهات الوجع.

في تلك الزاوية التي تسمى “مقابر الغرباء” والتي كان من المفترض الا يزورها الناس إلا وهم محمولين إلى مثواهم الأخير،هناك تكمن الحكاية، فأرض الوطن التي اتسعت للغريب ضاقت بالقريب فلجأ إلى المدافن وحوّلها بيوتاً تأويه صيفاً بحرارةٍ مرتفعة وبصقيعٍ شديدٍ شتاءً.

تدخل “المقابر”، فتعاين الصمت الرهيب الذي يعّم المكان والذي تخرقه بين الردهة والأخرى أصوات سطوح المنازل “التنكّية” التي يدغدغها الريح.

و كلما تقدمت بخطواتك، يبدأ الصمت بالاضمحلال ليظهر ضجيج الأطفال الذين يركضون وينادون: “غريب في ديارنا”. حينها تفتح أبواب التنك ويخرج من ورائها رجالٌ ونساء متسائلين: “من تراه هذا الغريب؟

هكذا تبدأ القصة وتكرالسبحة على ألسنتهم أجمعين وحداً تلو الأخر وبطريقةٍ منتظمة حتى أنك تخالهم سمفونية من الطراز الرفيع.

القصة مفادها أن بعض اللبنانين الذين غفلتهم الأنظمة والقوانين وكافأهم الدهر بقلة الحظ، إضطروا إلى أن يقيموا في تلك البقعة من الأرض بجانب الجثث التي يصفها الأهالي بالآمنة والهادئة .

هم الذين تعبوا من التذمر أمام عدسات الكاميرات والذين جفّت حلوقهم من تكرار قصتهم، ملّوا وصفهم بما يمكن ان يثيرالشفقة في قلوب سكان القصور.

فكل ما يطلبونه هو نقل صرخة واحدة دون سواها:”نريد الطعام و الدواء، نخشى الموت بجائحة كورونا ونخشاه أيضا بسبب الجوع و غياب أبسط مقومات الحياة”.

وتستمر القصة لتصل إلى مرحلة العقدة ،وهنا تبدأ الويلات، فالمنازل المليئة بالاطفال، خالية من الخبز والحليب وطبعا السكاكر والحلويات، أما الحدائق الصغيرة فلها حصتها من النفايات، ما يعزز نموّ الأمراض و الفيروسات .

في تلك البقعة تتفاقم ألمشاكل ليخرج منها رجالٌ ونساء ناقمون على الحياة بما ومن فيها، ففي هذا الحيّ تسكن أكثر من مئة عائلة، يتضامن افرادها على عوزهم ولقمة عيشهم ولكنهم كسائر اللبنانيين يختلفون وينقسمون سياسيا وحزبيا.

في هذا المكان، حيث تتجلى صورة غياب الدولة ورعايتها بأبهى حلّلها، وحيث تظهر صورة الصراع من أجل الحياة و البقاء.

في هذا المكان من طرابلس، ترتفع نسبة التسّرب المدرسي، وتتقدم أرقام البطالة، فيشتد الخطرعلى المجتمعين الطرابلسي واللبناني. لكن وعلى الرغم من هذه الحقيقة يبقى الحديث عن الذهاب الى أللامركزية لاسيما في اطارها الخدماتي مؤجل و مستبعد.

Lebanon 24

مقالات ذات صلة