لبنان

ملاحقات واعتقالات في طرابلس لأعضاء “المنتدى” و”سبعة”

يمكن القول أن الهدوء عاد إلى عاصمة الشمال، بعد أن طوى إحراق مبنى البلدية، وإلقاء القنابل والمولوتوف على السرايا والمحكمة الشرعية، أربع ليالٍ من المواجهات العنيفة بين جموع المحتجين والقوى الأمنية والجيش. لكن هذا الهدوء يبقى مريباً، ويطرح بعض المراقبين علامات استفهام كثيرة حوله، لا سيما أنه جاء بعد أن بدت طرابلس كأنها على شفير انتفاضة شعبية، سرعان ما تبددت من دون معرفة الأسباب.

ملابسات وأسئلة
مقابل هذا الهدوء، يستمر السجال لدى الرأي العام في طرابلس حول خلفية الأحداث التي عاشوها. البعض اعتبره فعلًا ثوريًا مبررًا، بعد أن بلغ الانهيار الاقتصادي والمعيشي مستويات غير مسبوقة، وأن ما حصل هو نتيجة طبيعية، ولا يمكن أن يكون سببًا لملاحقة “الثوار”. أمّا البعض الآخر، فيصرّ أن الطرابلسيين واجهوا (وما زالوا) مخططًا تخريبيًا ممنهجًا يتلطى بشعارات الجوع والفقر والغضب، بينما أحيا لديهم ذاكرة قادة المحاور حين استثمر سياسيو المدينة وجهات داخلية وخارجية بآلاف شباب طرابلس المظلومين والمهمشين، الذين سُجنوا ودفعوا حياتهم ثمن تلك الأحداث وجولات القتال.
وما بين هاتين الوجهتين، يربط كثيرون تساؤلاتهم حول ليالي طرابلس التي اندلعت وانطفأت فجآة، بأسباب عدّة: أولًا، طوال شهورٍ من انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، لم تكن سرايا طرابلس هدفًا للمتظاهرين، ولا حتى البلدية. وكان يقتصر التوجه للمقرات الرسمية عبر الضغط لإغلاقها وإخلائها من الموظفين، أو كأقصى حد إضرام الإطارات أمامها. ثانيًا، غابت عن الشارع معظم المجموعات المدنية التي سبق أن دأبت على المشاركة بحراك 17 تشرين. ثالثًا، سجّلت هذه الليالي أول مواجهة من نوعها سارع فيها المتظاهرون للتصويب على القوى الأمنية تحديدًا، خلافًا لما درج سابقًا في طرابلس من مواجهات في الشارع بين الجيش والمتظاهرين. رابعًا، اقتصرت ذروة التحركات على ساعات الليل فقط، ليتكرر مشهد المواجهات نفسها 4 مرّات، قبل أن تتوسع فجأة ليل الجمعة الفائت 11:00 نحو ساحة التل حيث ألقى شبان القنابل الحارقة على البلدية.

الملاحقات والتحقيقات
ولليوم الثالث على التوالي، تستمرّ الملاحقات الأمنية والتوقيفات في طرابلس. وفي آخر المستجدات، نفذت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي سلسلة مداهمات، وأوقفت حتى الآن نحو 4 أشخاص، ومن بينهم متهمين بإلقاء قنبلة على مكتب الشعبة، وإصابة عدد من الضباط والعناصر. أما مخابرات الجيش اللبناني، فقد أوقفت أخيرًا نحو 30 شخصًا، باتهامات عدة، من بينها ارتباطهم بحرق بلدية طرابلس والمحكمة الشرعية وإلقاء العبوات الحارقة على سرايا طرابلس وعناصر الجيش وقوى الأمن. وهناك متهمون باعتراض آليات الإطفاء، ما ادى لتأخر إطفاء حريق البلدية، بينما جرى الإفراج عن نحو 10 موقوفين، بعد عدم ثبوت عدم تورطهم بما سبق ذكره.

وتفيد المعطيات أن التوقيفات الجارية حالياً في طرابلس هي لسببين: رمي المولوتوف والقنابل على سرايا طرابلس (مع التعرض لأحد مواكب ضباط شعبة المعلومات)، وإحراق مبنى البلدية والمحكمة الشرعية.

من هم الموقوفون؟
وحسب معلومات “المدن”، فإن أبرز الموقوفين ينتسبون لـ”المنتدى السياسي الاقتصادي الاجتماعي” المدعوم من المحامي نبيل الحلبي. وحتى الآن، جرى توقيف نحو 6 من شبان المنتدى، وقد أفرج فقط عن واحد هو محمد الزين، بينما لا يزال موقوفاً كل من و.ح، ن.ن، ل.ش، ي.م، وع.ق (المعروف بالمختار)، وهو أشهرهم. وهذا المختار الذي يسكن في منطقة القبة كما أنه موظف بشركة لافاجيت، هو أشبه بمفتاح للمنتدى، إذ يستنفر ويؤطر جموعاً من شبان الشارع. كما أن عددًا كبيرًا من أبناء منطقته يقولون أنه يقدّم “المساعدات للفقراء”، وكان قد بدأ العمل مع أحد المسؤولين بالمنتدى في طرابلس منذ بداية انتفاضة تشرين.

وإلى جانب المنتدى وبعض الموقوفين الذين لا ينتمون تنظيميًا لأحد، ما زال لحزب سبعة موقوفان لدى مخابرات الجيش، هما ع. ح، وم.ز.

حزب سبعة
أما التطور اللافت على مستوى حزب سبعة، فكان تقديم أبرز ناشطاته في طرابلس داليا جبيلي لاستقالتها، رغم أنها عملت مع الحزب طويلًا في الشارع خلال انتفاضة تشرين. ورغم ذلك، تعرضت لحملة واسعة من قبل الحزب كرد على استقالتها. وعلى الفور، أصدرت بيانًا نشرته على حسابها فايسبوك قالت فيه: “من المؤسف أن حزب سبعة وأعوانه بدأوا يهاجمونني بكل السبل المتاحة لديهم بعد تقديم استقالتي، وحاولوا تشويه سمعتي وتحريض العامة والخاصة علي. ويتم تداول عدة شائعات من قبل أحد محامين حزب 7 (سيتم ذكر اسم المحامي في طلب الشكوى) بأني انفصلت عن الحزب والتحقت بالأجهزة الأمنية، وأنني من حرضت على حرق السرايا.. وبهذا يظهر للجميع أن “حزب 7” ما هو إلا استمرار للمنظومات الأمنية التي تلجأ إلى هذه الأساليب الرخيصة لمحاربة المخالفين، وسلموا لي على شعارات “الديمقراطية”، و”حرية التعبير”، و”تقبل الآخر” التي يرفعها هذا الحزب. وهو أبعد ما يكون عنها. وبناءً عليه، سأتقدم بشكوى رسمية لدى القضاء اللبناني، بتهمة التحريض المباشر علي، وبشهادة الشهود، حفاظاً على سمعتي وأمني الخاصين. وعليه اقتضى التوضيح”.

وفي اتصالٍ مع “المدن”، أوضحت جبيلي أن استقالتها من حزب سبعة جاءت بعد مسارٍ طويلٍ، تأكدت فيه أن هذا الحزب يمارس الوصولية والانتهازية بحقّ منتسبيه، ووصفته بـ”السلطوي”، وأشارت أن الحزب خلال ليالي المواجهات في طرابلس كان يطلب من منتسبيه أن ينزلوا إلى الشارع بصفتهم الشخصية فقط (!) من دون إعلان انتمائهم له، وهو ما دفعها للاستقالة. وقالت: “صرت واثقة أن هذا الحزب الذي تعامل معنا بوصولية وفوقية، باع الثورة، وهو يتحرك فقط وفق أجندته، وما تقتضيه مصلحته التي تؤمن وصوله للسلطة، كما أنه يسعى للتنسيق مع بعض أحزاب المنظومة التي من المفترض أننا نناضل لإسقاطها”.

شرطة البلدية والمحافظ
في هذا الوقت، بدأ بعض أعضاء مجلس بلدية طرابلس وفعاليات المدينة يحمّلون شرطة البلدية مسؤولية عدم حماية المبنى منعاً لإحراقه. ويتساءلون عن سبب غيابهم الواضح في تلك الليلة. لكن رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، يوضح لـ”المدن” أن التحقيق الداخلي ما زال مستمرًا في البلدية، مؤكدًا أن شرطة البلدية لا يتجاوز عدد أفرادها 100 عنصر، لا تستطيع التدخل واطلاق النار من دون أمر بذلك، إلا بحالات استثنائية جدا، لافتًا أن الشرطة لا تملك الجهوزية الكافية لهذا النوع من المواجهات، لا سيما أن الحريق حصل بشكل مفاجئ، ولم يسبق أن حصل بتاريخ البلدية أي اعتداء مشابه.

وفي السياق، يستمر التنديد بمحافظ الشمال رمزي نهرا، والمطالبة بإقالته. ويصفه كثيرون برمز الفساد في المدينة، الذي يعمل لصالح أجندته السياسية فقط (وهو مدعوم من التيار الوطني الحر)، كما أطلقت مجموعة من المدنيين عريضة إلكترونية لجمع التوقيعات التي تطالب بإستقالته.

مقابل ذلك، تشير معلومات “المدن” أن بعض المجموعات المدنية تحاول الضغط لمطالبة نقابة المحامين من أجل مواكبة التحقيقات مع الموقوفين، كي لا يتحول بعضهم لكبش محرقة. ويطالب البعض بضرورة أن يلازم الموقوفين محامون مستقلون، كي لا تنتهي التحقيقات بتكرار سيناريو قادة المحاور، بدل الكشف عن متورطين يتوارون عن الأنظار خلف شباب صغار بالسنّ، موّلوهم بقنابل المولوتوف ثم تركوهم لمصير مجهول.

almodon

مقالات ذات صلة