ظاهرة تتكرر مرة كل 6 أو 7 سنوات.. الشتاء المتأخر: هل نستورد المياه؟
كتبت رحيل دندش في “الأخبار”: ستة عشر يوماً متتالية من الصحو في «عز الشتاء» من دون قطرة ماء. حتى يوم الخميس المقبل، الموعد المرتقب لقدوم الأمطار، نكون قد أقفلنا على 21 يوماً من الصحو. معنى ذلك أننا في شتاء جاف، أو ما يعرف بـ«الشتاء المتأخر» (late winter). وهو يعني طقساً ربيعياً في الشتاء وشتوياً في الربيع، ومن أبرز مظاهره طول فترة الصحو، وغزارة هطول الأمطار في فترة زمنية قصيرة، وتساقط البَرَد على الساحل والمرتفعات، وتدني عدد أيام تساقط الثلوج، وظاهرة الجليد الصباحي على المرتفعات وفي الداخل. هذه كلها مؤشرات تؤكد مسار التغير المناخي الذي يتّسم بـ«انزياح الفصول» والمظاهر المناخية المتطرفة.
الأرصاد الجوية في مطار بيروت تشير إلى أن كمية المتساقطات في بيروت لهذا العام لا تزال دون معدلاتها الطبيعية، وهي سجلت حتى اليوم 291 ملم، أي أقل بـ80 ملم عن المعدل العام لهذه الفترة والبالغ 369 ملم. وبلغت كمية المتساقطات في البقاع 204 ملم فيما المعدل 248 ملم، على عكس الشمال حيث تجاوزت المتساقطات معدلاتها الطبيعية (382 ملم)، وبلغت حتى تاريخه نحو 400 ملم.
أيام الصحو المتتابعة، بحسب رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت، مارك وهيبة، «أمر طبيعي لا يستدعي القلق. وهذه سابقة تكررت أكثر من مرة في السنوات السبعين الماضية. فقد شهدنا 21 يوماً متتالياً من الصحو في شتاء 2006 – 2007، و21 يوماً في شتاء 1970 – 1971، و21 يوماً في شتاء 1976 – 1977». ورغم أنه لا يمكن الجزم بأي أمر يتعلق بأحوال الطقس، غير أن الاحتمالات بنسبة 70 في المئة تشير إلى أن كمية المتساقطات لهذا الشتاء ستكون دون معدلاتها الطبيعية. لكن «هذا أمر غير كارثي»، بحسب وهيبة، إذ إن «يومين مطريين يعوّضان هذه الفروقات».
المشكلة الأكبر تكمن في المنحى التصاعدي، في السنوات الأخيرة، لعدم تراكم الثلوج. ويُعزى ذلك أساساً الى الاحتباس الحراري الناتج عن الغازات الدفيئة. الاختصاصي في إدارة المياه والمناخ الدكتور فادي كرم يؤكد أن «الثلج قادم على قمم لبنان لا محالة. ولكن السؤال: إلى أي مستوى سيصل؟»، مشيراً الى أنه «في السنوات الجافة، كالسنة الحالية، لا تدوم الثلوج طويلاً، لأن الأرض تكون دافئة». ولفت إلى أن «مستوى الغطاء الثلجي لا يزال ضمن إطار 2600 إلى 2800 متر، في حين أن المياه الجوفية التي نعتمد عليها تتغذى حصراً من الثلوج التي تتساقط في كانون الأول وكانون الثاني، كما أن 99 في المئة من مصادر المياه المتجددة في لبنان مصدرها المتساقطات». ولفت الى أن لبنان «لا يملك مناعة مائية سطحية، إذ لا توجد لدينا مسطحات مائية، والأنهر عندنا تخرج من لبنان إلى البلدان المجاورة فيما الداخلية منها ملوثة. لذلك، إذا لم تمطر ستكون كارثة». الشتاء الجاف الذي يشهده لبنان، وفق كرم، «لا يعني أنه ليس لدينا أمطار، ولبنان سيحقق كمية من المتساقطات تراوح بين 600 و800 ملم. لكن المشكلة هي في التوزيع الجغرافي والزمني».
آخر شتاء جاف كان في 2013- 2014، ووتيرة هذه الظاهرة باتت تتكرر مرة كل 6 أو 7 سنوات. ومن مظاهرها طول فترة الصحو التي تمتد الى أكثر من أسبوعين، ما يجعل الأرض تمتص كميات كبيرة من الحرارة، يتبعها هطول أمطار غزيرة في فترة زمنية قصيرة، خصوصاً في الربيع، لا تستوعبها الأرض لأنها تكون دافئة، ما يؤدي الى تبخر معظم الكميات فلا يُستفاد منها كما لو جاءت على مدى 3 أشهر. أما المؤشر الثالث فهو تساقط حبات البَرَد على الساحل والمرتفعات شتاءً، علماً بأن البَرَد عادة يتساقط بداية الخريف أو أواخر الربيع. ولهذا تداعيات سلبية على صحة الإنسان وعلى المزروعات، إذ «يقضى على براعم الأشجار المثمرة كاللوز، والدراق، والكرز، الخوخ والمشمش في فترة الإزهار».
إزاء ذلك ما الذي يمكن فعله؟ يجيب كرم بأنه على المستوى الفرد والمجتمعي «لا بد من ترشيد استعمال المياه في المنزل»، والترشيد أيضاً في الأعمال الزراعية التي تستهلك 60 إلى 70 في المئة من المياه المتجددة. والأهم وقف التعديات النهرية، لأن «لازم الأنهر ترجع تمشي بلبنان»… وإلا فقد نكون أمام عودة الى النقاش الذي شهده موسم 2013 – 2014 حول استيراد بواخر مياه من تركيا!