لبنان
هيبة الدولة تحت أقدام الشهداء
كتب عبدالله ملاعب:
منذ كانون الأول 2019 إستفحلت الدولة اللبنانيّة باستخدام القوّة المفرطة ضدّ المتظاهرين. غاز مسيّل للدموع، وخراطيم مياه، ورصاص مطّاطي فتك باللبنانيّين لحفظ “هيبة الدولة”. فحكومة دياب المستقيلة أَطفَأت قنديل بيروت وعيون اللبنانيّين ممّا دفع نقيب الأطباء بالطلب من وزير الداخليّة والبلديات إيعاز الأجهزة الأمنية بتجنب إستعمال الرصاص المطّاطي، ليردّ عليه الوزير شارحًا حيثيّات إستخدام البطش، من دون أن يدري أنّ انفجار بيروت لم يسقط حكومته فحسب بل رماها والسلطة بأكملها تحت أقدام الشهداء.
على الرغم من كون الدولة اللبنانيّة “فاشلة” إستنادًا إلى مختلف المعايير الأكاديميّة والسياسيّة لهذا المصطلح الذي أطلق في تسعينيّات القرن المنصرم، إلا أنّ السلطات اللبنانيّة بقيت إلى ما بعد إنفجار بيروت مصمّمة على إعطاء هيبة لدولة فاشلة. فلا السلاح محتكر بيد جهة رسميّة، ولا الحدود مضبوطة، ولا النظام الضريبي فعّال، ولا تستطيع الدولة القيام بوظائفها الأساسيّة، وحتى لا يوجد للدولة اللبنانية كيان مستقل، بالتالي دأُبت الدولة الفاشلة بصنع هيبة لنفسها متغاضيةً عن العوامل السابقة كلّها، بل للمفارقة بالإشتراك مع المعيار الأساسي لفشلها، أي عدم حصرية السلاح بيدها، فرأينا الدولة الفاشلة تنسّق هجماتها الرامية لقمع المتظاهرين مع الميليشيات، فتارةً تقمع القوى الأمنيّة المتظاهرين، وطورًا تقمعهم القمصان السود الخلّاقة في كلّ هجمة.
المضحك بالأمر أنّ الدولة الناجحة تستمدّ هيبتها من هيبة المواطنين المكتسبة عبر المشاركة الشعبيّة الفعالة بصنع القرار والقدرة على التعبير عن الرأي من دون الخوف. ولكنّ الدولة اللبنانيّة الفاشلة كسرت القواعد كلّها إلى أن وصل بها الحال إلى ما هي عليه اليوم.
لا أحد في لبنان يكترث لقرارات السلطة بكل من فيها، وقد اتّضح هذا الأمر جليّاً في معدل إلتزام المجتمع بقرار الحكومة المستقيلة الرامي بالإقفال بالحدّ الأقصى من 21 آب إلى 7 أيلول. أحد لم يلتزم بهذا القرار الفاشل الذي أوعز بإقفال القطاع الخاص وترك القطاع العام مفتوحًا.
فبعد أيام قليلة ثارت ثائرة القطاع الخاص الذي أكمل الطعن في هيبة الدولة الفاشلة عبر إعلان العصيان. وعلى سبيل المثال، قرّر أهل القطاع السياحي في 25 آب فتح المقاهي والملاهي والمطاعم من دون الإلتزام بقرار الوزير محمد فهمي أو الإكتراث بتهديداته أو إنتظار مقررات المجلس الأعلى للدفاع.
بالرغم من سوداويّة المشهد اللبناني بكلّ ما فيه من فقر وجوع وقتل وتشرّد وهجرة ودمار، إلا أنّ شيئا واحدا يخفّف آلام الثكالة. وهذا الشيء متمثل بسقوط هيبة الدولة الفاشلة التي دخلت التاريخ في الرابع من آب عند تفجيرها مواطنيها الذين يعيشون فيها “من قلّة الموت”!
mtv