حرب الصلاحيات مستمرة: “انقلاب” إلى نظام رئاسي.. والانهيار يفكك المؤسسات والأمن
كتب منير الربيع في “المدن”: تدور الدوامة اللبنانية في الحلقة المفرغة ذاتها. خلال ساعات سيتوجه رئيس الحكومة المكلف إلى بعبدا لتقديم تشكيلته الحكومية، أو للاتفاق مع رئيس الجمهورية على الإطار العام للحكومة. مرت أيام كثيرة وتأجلت لقاءات عديدة.. وبحال حدث، والتقى الرئيسان، لا يتحقق أي تقدّم. في الموازاة كل أساسات النظام اللبناني وما تبقى من مؤسسات أصبحت في طور الانهيار. خلاصة تتوصل إليها كل الجهات الدولية المراقبة والمتابعة للملف اللبناني. لا يتوانى ديبلوماسيون من مختلف المشارب عن القول إن الطبقة السياسية اللبنانية قد انتهت. لا يرون أي أفق لإمكانية نهوضها مجدداً. ولا لنهوض قريب لمقومات الدولة في لبنان.
نظرة تشاؤمية
لا أحد من الديبلوماسيين يمتلك رؤية واضحة تترجم كلمة “نهاية الطبقة السياسية”، عندما توجه إليهم السؤال. جميعهم يعتبرون أنه ليس من السهل التقدير بذلك. بعضهم يشير إلى أن الأميركيين يعرفون كيف ومتى وماذا. أمام هذا الواقع، تتعزز النظرة التشاؤمية للواقع اللبناني. مؤتمر الدعم الإنساني الأخير كان واضحاً في فشل رصد أي مبالغ مالية حقيقية للبنان، على الرغم من أنها مساعدات لمواجهة الجوع، وسط شروط واضحة بأنها لا يمكن أن تسلّم من دون تشكيل حكومة جدّية.
في هذا السياق، تستمر حرب الصلاحيات والمعارك السياسية بين القوى المتقاتلة. رئيس الجمهورية مصرّ على موقفه، رئيس الحكومة المكلف لا يريد تقديم تشكيلة حكومية يرفضها عون. ولا يريد أن يخسر التكليف. وغير قادر على الإقدام، لئلا يتعرض لعقوبات أو لا يتم الاعتراف بحكومته. كل هذا الواقع، ومحاولة عون في الإمساك بكل الخيوط، دفعت برئيسي الحكومة السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام إلى زيارة الحريري في بيت الوسط يوم الجمعة، لسؤاله عما يجري. وأنه لم يعد بالإمكان السكوت على تصرفات عون، الذي يحول النظام اللبناني إلى نظام رئاسي ويتجاوز الدستور والطائف. ويعمل على ضرب صلاحيات مجلس الوزراء. أكد رئيسا الحكومة أن الأمر لم يعد قابلاً للسكوت، ولا بد من إصدار مواقف واضحة.
تفكك المؤسسات
في هذا الوقت، كل ما تبقى من مرتكزات للدولة اللبنانية يستمر بالانهيار. أساسات النظام اللبناني التي تركزت ما بعد الحرب الأهلية، كلها تتساقط. فالانهيار لم يعد محصوراً في الشق الاقتصادي، إنما يمتد إلى قطاع الخدمات، والقطاع المصرفي والمالي، وصولاً إلى المؤسسات الرسمية وتفكك البيئات الإجتماعية، حتى التشاركية السياسية اللبنانية انهارت. إذ أن كمية الفراغ والتعطيل تجاوزت فترات العهود، في مقابل تأسيس مجالس موازية، بينما مجلس النواب يأخذ صفة تنفيذية بدلاً من التشريعية.
إحدى الركائز اللبنانية الأساسية، بوصف لبنان بلد الحريات أيضاً سقطت. فتتنامى عمليات القمع والتوقيف الاعتباطي. وتتزايد نسبة الاستدعاءات إلى الأجهزة الأمنية والجرائم المعلوماتية. وحالياً أيضاً يتم المسّ بركيزة أساسية أيضاً في البنيان اللبناني، وهي الجيش والأجهزة الأمنية، التي تم توحيدها ما بعد الحرب. ورويداً رويداً بدأ دورها بالتراجع، بالإضافة إلى فتح الكثير من ملفات الفساد بداخلها. الأمر الذي سينعكس سلباً على واقعها. ذلك لا يعني أن الفساد غير موجود، لا بل إنه دليل على استمرار الانهيار والتفكك.
ذلك كله لا ينفصل عن الصراع الذي ليس له حَكَم، بين الأجهزة الأمنية والقضاء، على غرار ما حصل إثر تصريح وزير الداخلية حول الجسم القضائي، والصراع بين المحامين والأجهزة الأمنية. كل ما يجري يؤشر إلى استمرار الانهيار والترهل، وإلى أن الأزمة ستكون طويلة وبعيدة المدى، فيما لا يبدو أحد في الخارج جاهزاً لتقديم المساعدة. لا بل إن البلد سيكون متروكاً لمصير انهياره. وبعد السقوط الشامل يبدأ الحديث عن صيغة جديدة.
المصدر: المدن