التدقيق الجنائي غير كافٍ: الخارج يشترط إصلاحات ووزراء مستقلّين!
كتبت “المركزية”:
يرفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سقف المواجهة عاليا في ما يخص التدقيق المحاسبي الجنائي. فبعد ان صُدمت شركة “الفاريز اند مارسال” بحجم التخبط اللبناني الرسمي، ولمست ان لا استعداد حقيقيا لدى اهل السلطة لتسهيل مهمتها، فلملمت اوراقها وعادت أدراجها.. لم يستسلم رئيس الجمهورية وقرر التحرك سريعا لابقاء هذا الملف حيا، فراسل مجلس النواب طالبا منه التعاون مع السلطة الاجرائية في هذا الخصوص. هذا الاصرار ممتاز ومطلوب وملحّ، لان من دون التدقيق، كما قال الرئيس نفسه في رسالته امس، وعاد وكرر امام وزيرة العدل اليوم ، لا يمكن الإتفاق لا مع الدول الراغبة في مساعدة لبنان ولا مع صندوق النقد الدولي والهيئات المالية المماثلة”. وقد ذهب الرئيس عون الى حد الاعتبار ان لا بد من اجراء التحقيق “كي لا يصبح لبنان، لا سمح الله، في عداد الدول المارقة او الفاشلة في نظر المجتمع الدولي مع خطورة التداعيات الناجمة عن سقوط الدولة اللبنانية في محظور عدم التمكن من المكاشفة والمساءلة والمحاسبة، بعد تحديد مكامن الهدر والفساد الماليين اللذين قضيا على الاموال الخاصة والاموال العامة معا”.
مع ترحيبها بهذا الموقف، تقول مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية”، ان التدقيق المحاسبي يشكل طبعا اولوية لدى المجتمع الدولي، وقد تحدث عنه بالمباشر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منذ اسابيع، غير ان هذا المطلب ليس وحيدا. والاكتفاء به لن يفتح ابواب الدعم الخارجي للبنان. فتماما كما يصر المانحون على التدقيق في حسابات مصرف لبنان وفي حسابات كل المؤسسات والوزارات والادارات العامة، يصرون ايضا على اجراء الاصلاحات، وعلى وقف الخطط والمشاريع والصفقات التي تسببت بهدر المال العام على مدى عقود من دون اي نتيجة في المقابل.
الدول المانحة تطلب ايضا كي تأتي لنجدة لبنان، أن تكفّ القوى السياسية التي مسكت بزمام البلاد والحقائب لعقود، ان تكفّ يدها عنها، وان تجلس جانبا أقلّه في الوقت الراهن. والترجمة العملية لذلك، تكون في ان تسمح هذه القوى بتأليف حكومة من مستقلّين حقيقيين قادرين على نيل ثقة المجتمع الدولي، وأن تُقلع عن ذهنية المحاصصة وتقاسم جبنة الوزارات والحقائب في ما بينها، التي حكمت عملية تأليف الحكومات منذ سنوات. وهنا، تشدد هذه الدول، في شكل خاص، على الوزارات التي فاحت منها روائح الفشل والفساد، وأبرزها الطاقة والاتصالات والاشغال (…) فأين الاطراف السياسيون كلّهم اليوم من هذه المطالب؟ وهل يظنون فعلا ان التدقيق الجنائي سيكون كافيا لاقناع المجتمع الدولي بتجيير امواله الى الدولة اللبنانية من جديد، اذا بقي القديم على قدمه في الممارسة والعقلية السياسيين؟
اما في ما خص الدول المارقة، فقد بتنا للاسف في عدادها، ولم نعد في مرحلة الانحدار نحوها. فماذا تسمى دولة معزولة عن محيطها، سياسيوها على لوائح العقوبات والفساد العالمية، ترفض العواصم الكبرى التعاطي معها ولا تثق بها، الدويلات تنهشها جنوبا وبقاعا وقرار الحرب والسلم ليس في يدها؟ الا تكون دولة مارقة؟ تسأل المصادر. وهنا ايضا، فالتدقيق المالي لا يمكن ان يكون الدواء لهذا الداء العضال. فاسترجاع الشرعية من خاطفيها وبسط الدولة سلطتها على كامل اراضيها واعادة ربط لبنان بمحيطه والعالم، تشكل الف باء الخروج من نادي الدول المارقة، وهي تأتي قبل التدقيق المالي!