لبنان

حكومة تكنوسياسية في الأفق المتوسّط والداخلية للحريري؟

كتبت ملاك عقيل في “أساس ميديا”:
لم ينجح الرئيس المكلّف سعد الحريري في الرهان على ولادة حكومته قبل فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الاميركية.
حتى حزب الله، وفق المعلومات، لم يكن يمانع، في ظل “التسونامي” الأميركي، صدور مراسيم حكومة يفترض أن تفرمل حدّة الانهيار صوب القعر، لكن بشروط تبقي فريقه السياسي شريكاً في القرار مع الحريري!
شهران يفصلان عن دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض قد يبدوان غير كافيين لحلّ ما يفترض أنه عقبات تمّ تجاوزها في المرحلة الماضية واجتراح التسويات لعقد أخرى، عكس جزءًا منها الوزير السابق جبران باسيل في مؤتمره الصحافي يوم الأحد.
باسيل، وبعكس ما عمّمته مصادر رئاسة الجمهورية عن قرار بالفصل بين الحكومة وبين العقوبات الأميركية ضدّ باسيل، “شَبَك” بقوة بين الاستحقاقين بغية “تسريع التشكيل”، كما قال. لكنّ المطلعين يجزمون بأنه أعاد مفاوضات التأليف إلى ما قبل نقطة الصفر.
فهل يقبل الحريري، كما الثنائي الشيعي، بالشروط المعلنة لباسيل لتأمين ولادة “طبيعية” للحكومة؟
ما صوّره “التيار الوطني الحر” في الأسابيع الفاصلة عن صدور العقوبات بحق باسيل بأنّه تخلّي “الثنائي الشيعي” عنه في معركة تأليف الحكومة، وتحديداً حزب الله… يفترض أن تتبدّل صورته بعد العقوبات. هكذا يفترض العونيون من باب أولى خطوات رَدّ الجَميل “منعاً لاستهدافنا وإقصائنا”.
الصورة لم تتوضّح بعد في مقلب الثنائي الشيعي خصوصاً أنّ باسيل في طلّته الأخيرة، وإن لم يسمّ الحقاب بأسمائها، اعتبر أن “استثناء حقيبة المال سيعني إستثناء حقائب أخرى من المداورة تحت عنوان المداورة الجزئية… وإلا فالمداورة للجميع منعاً لتثبيت حقيبة المال للشيعة”. وما يعنيه باسيل بـ”الحقائب الأخرى” كانت وزارة الطاقة تحديداً… والباقي خاضع للنقاش.
لا يتوقع أن يخرج الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في طلّته يوم غد الأربعاء عن الإطار الذي رسمه في خطاب 29 أيلول عقب المواقف العالية السقف للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة: “المبادرة الفرنسية لا تتضمّن مداورة ولا عدد الوزراء ولا الجهة التي توزّع الحقائب وتسمّي الأسماء… ونتمسّك بالوزير الشيعي لحقيبة المال ربطاً بالقرار الشيعي (داخل الحكومة)”.
وقد انتشرت تسريبات إعلامية غير مؤكدة، عن احتمال أن يصل موفد فرنسي رفيع المستوى من الإليزيه غداً إلى ?لبنان? لتنشيط المبادرة الفرنسية.
باسيل، وبعكس ما عمّمته مصادر رئاسة الجمهورية عن قرار بالفصل بين الحكومة وبين العقوبات الأميركية ضدّ باسيل، “شَبَك” بقوة بين الاستحقاقين بغية “تسريع التشكيل”، كما قال. لكنّ المطلعين يجزمون بأنه أعاد مفاوضات التأليف إلى ما قبل نقطة الصفر
تقريباً وضع الجميع أوراقه فوق الطاولة. يملك الحريري ورقة تفاوض وحيدة فقط: لا قبلي “ظَبَط مرشحين” ولا بعدي يمكن البحث في خيارات بديلة. يعلم أنه حالياً المعبر الالزامي لأيّ حكومة، لكن “تعريته” من فريق عمل وزاري محسوب على “برنامج بيت الوسط لإدارة المرحلة” متوقع ومنتظر قبل دخوله السراي مجدداً. وها هو باسيل يرفع لاءاته بوجهه، وقد خاطبه نائب البترون كأنّه لا يعرف دَرسَه: “أسهل شي اعتماد معايير لتحديد كيفية توزيع الحقائب على أساس حجمها على الطوائف والكتل. هذا تمرين صار معروفاً”. وكاد يقولها: “يا سعد”…!
وفق العارفين، المداورة التي سعى إليها سعد الحريري ترنّحت لكنها لم تسقط تماماً، ما يشي بأنّ العودة إلى التوزيعة الكلاسيكية للحقائب السيادية لم تحصل بعد. وبالتأكيد هي المفتاح الأساس الذي يقود إلى حلّ العقد الأخرى.
ومجرد الإلتزام باستثناء المالية من المداورة واقتصارها على الخارجية والداخلية، فهذا يعني أنّ طبخة الحقائب الأخرى الأساسية، أي الطاقة والاتصالات والعدل والأشغال والصحّة، لا تزال عرضة لبازار، هذه المرّة فوق الطاولة وليس تحتها، بعدما دخل باسيل مفاوضاً علنياً على الطاولة.
وتشير المعلومات، إلى أنّ المداورة السياسية لا تزال قائمة، لكنّ الأخذ والردّ يتمحوران حول مدى تطبيق المداورة الطائفية والمذهبية على الحقائب السيادية والخدماتية، فيما تبيّن أنّ حقيبة العدل محجوزة لوزير ماروني من اختيار عون.
والأهمّ بروز اتجاه لرفع “دوز” التسييس داخل الحكومة أمام واقع التحوّل الاميركي والملفات الكبرى التي تفرض نفسها في المنطقة على رأسها ترسيم الحدود وتقدّم بورصة التطبيع والرزمة المقبلة من العقوبات الاميركية، وهذا الأمر يمكن أن يعيد حكومة الـ”تكنوسياسية” الى الواجهة.
في الواقع، تعرّض مشروع “التسليم والتسلّم” في حقيبتيّ الداخلية والخارجية بين الحريري وعون إلى خضّة كبيرة، ما دفعه إلى إعادة النظر بموقفه، من دون حَسم قراره بعد. فكرة وصول “وزير عوني” إلى الداخلية استفزّت محيط الحريري ورموزه الأمنية ما اقتضى حصول اجتماعات مع الرئيس المكلّف نصحته بالعدول عن قراره.
تشير المعلومات، إلى أنّ المداورة السياسية لا تزال قائمة، لكنّ الأخذ والردّ يتمحوران حول مدى تطبيق المداورة الطائفية والمذهبية على الحقائب السيادية والخدماتية، فيما تبيّن أنّ حقيبة العدل محجوزة لوزير ماروني من اختيار عون
كما أنّ الحريري لم يتأخّر ليكتشف أنّ ثمن قبول عون ببقاء المالية بيد الطرف الشيعي هو كبير جداً عبر ضمّ عون وباسيل حقائب الدفاع والعدل والطاقة (والأرجح الاتصالات) إلى الداخلية، ضمن حصّتهما المسيحية.
مع ذلك، التفاوض القائم لم يلغِ بعد احتمال دخول وزير محسوب على ميشال عون إلى الصنائع. هذا الواقع حرّك الاجتماعات التحذيرية داخل بيت الوسط. وفق المعلومات، زار مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الأسبوع الفائت الحريري في منزله عارضاً أمامه الحيثيات التي توجب التراجع عن قرار “تسليم” الداخلية الى ميشال عون.
في الوقت عينه، كانت دائرة قريبة من الحريري تحذّره من الأخطر ربطاً بحماية القرار الأمني والمؤسسة الأمنية، ما يفرض عليه إبقاء الداخلية بعهدة تيار المستقبل.
وجهة نظر هذا الفريق تقوم على الآتي: “تحديد عمر الحكومة بستة اشهر أمرٌ غير محسوم وقد يحوّلها الى حكومة تبقى إلى ما بعد نهاية العهد. لذلك، فإن تجيير ثلاثية الداخلية – الدفاع – العدل إلى عون “نوع من إفراغ الذات” ونزع الحصانة عن الفريق السياسي للحريري”.
ويذكّر هذا الفريق بأنّ “تصدّع التسوية الرئاسية ترجم بشكل مباشر عبر المعطى الأمني، إن عبر ملفّ الفساد القضائي وادّعاء مفوّض الحكومة العسكرية السابق بيتر جرمانوس على شعبة المعلومات، أو عبر التصويب على شخصيات قريبة من الحريري شملت عماد عثمان ورئيس شعبة المعلومات خالد حمود والقاضي هاني الحجار مروراً بطلب نقل الأخير من المحكمة العسكرية ثم استقالة جرمانوس، إضافة إلى حادثة قبرشمون وحوادث أخرى ذات طابع أمني – سياسي…”.
برأي هذا الفريق: مع تسوية رئاسية “مطبوخة جيداً” حدث ما حدث، فكيف مع ربط نزاع محتمل ومساكنة قسرية بين الحريري وباسيل قد تولّد الانفجار بأي لحظة؟
فهل يمكن الاستغناء عن الداخلية في ظل مداورة مبتورة بفعل استثناء حقيبة المال منها؟

mtv

مقالات ذات صلة