كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لا تفسير أمنياً مقنع بعد للبيان السعودي في شأن سحب الرعايا السعوديين من لبنان «بسرعة»، والذي استتبع بسلسلة بيانات لدول الخليج نصحت رعاياها بتجنب مناطق التوتر أو التواجد في محاذاتها. خلال استقباله وفداً اقتصاديّاً حصر السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الأسباب الموجبة بالأحداث التي شهدها مخيم عين الحلوة والخشية من توسع رقعتها، وقال إنّ بلاده من أهم المشجّعين على انجاح الموسم السياحي في لبنان. بدا هذا التوضيح، وكأنّه محاولة تطويق لمفاعيل البيان وما أحدثه من بلبلة على المستويات الأمنية والسياسية والسياحية، وقد تمّ التعبير عنه لبنانياً بتأكيد المسؤولين أن لا أسباب ولا معطيات تؤشر إلى وجود خطر أمني قريب أو مخاوف من حدث أمني ما في لبنان.
يسجّل للسفير البخاري توضيحه الذي نفّس الأجواء المحمومة التي سادت منذ منتصف ليل السبت الأحد في وقت غاب سفراء الدول الأخرى عن سفاراتهم في لبنان، إلا من قائم بالأعمال تولى مهمة التوضيح بما تيسر لديه من معلومات. ليس ما ورد في بيان السفارة السعودية مجرد عبارات عابرة تقتصر مقاصدها على أحداث عين الحلوة، التي لم تكن تستدعي كل تلك البلبلة، خاصة أنّ سبحة البيانات كرّت بينما كان يجري تطويق أحداث عين الحلوة ولملمتها. لكن التطمينات لم تلغِ علامات الإستفهام عن الأسباب والخلفيات، وهل يمكن أن يكون وجود ما يقارب 5000 سائح خليجي، للسعودية العدد الأقل من بينهم، سبباً لكل تلك الضجة مع أهمية الحفاظ على سلامتهم طبعاً؟
وفق المتعارف عليه في الحياة السياسية والأمنية أن لا خطوة بلا هدف، والبيان وما تلاه يمكن إدراجه في باب الرسالة التي وصلت أصداؤها إلى المعنيين، والمقصود هنا تحديداً اولئك الذين حيّدوا الحديث في رئاسة الجمهورية وجمدوا الإستحقاق في انتظار استحقاقات مهمة في الإقليم، طالما أنّ في لبنان موسماً سياحياً واعداً.
ذاك الموسم الذي قد يتأثر ببيان مقتضب أقلق السياح والمقيمين على حد سواء. إلى هذا الحد وصلت أولى الرسائل، أمّا الثانية فهي تلك المتعلقة بميل أعضاء اللجنة الخماسية إلى فرض عقوبات على معطلي انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان. فصل من فصول العقوبات ربما صار قريباً. وهناك خشية سعودية من حوادث احتجاز رهائن أو ما شابه.
وفي الكواليس من يربط البيان السعودي بمخاوف مستقبلية من ردود فعل محتملة في حال فرض عقوبات على شخصيات سياسية أساسية متهمة بتعطيل الإنتخابات الرئاسة. خطوة كهذه كفيلة وحدها إن حصلت بزعزعة الوضع داخلياً خاصة لناحية الأخبار التي تحدثت عن استهداف رئيس مجلس النواب نبيه بري. حينذاك لن تجد دول أوروبا وأميركا من تتفاهم معه أو تحاوره. وتعتبر مصادر سياسية أن خطوة كهذه ستكون بمثابة ضرب من الخيال من شأنه أن يعمّق الأزمة.
أبعاد أخرى تتقاطع مع التعطيل الرئاسي يتحدث أصحابها عن وضع إقليمي غير مطمئن سببه عدم استكمال الإتفاق السعودي الإيراني في اليمن وعدم وجود أي تقدم في سوريا. واذا كانت أجواء المنطقة ملبدة سيكون لبنان، كالعادة ساحة لتبادل الرسائل بين الدول الساعية للتفاهم متى تعكّر صفو تفاهمها.
نقلاً عن مصادر ديبلوماسية ثمة من يتحدث عن أن شهر أيلول المقبل لن يكون أقل سخونة من آب الجاري بالنظر إلى تطورين أمنيين قد يشهدهما: الأول يتعلق بتقرير بالغ الدقة عن الأمن في مطار بيروت الدولي سبق وأعدته منظمة الطيران المدني الدولية International Civil Aviation Organization ويتحدث عن سلامة الطيران في مطار بيروت ومحيطه والأحداث التي سبق وحصلت ولم تتم معالجة أسبابها كإطلاق النار العشوائي والطيور المحاذية. وكأنّ المقصود توجيه اللوم إلى المسؤولين على تقصيرهم في هذا المجال. كان يفترض أن يصدر التقرير في الأشهر الماضية لولا إرجاء الإصدار وليس معلوماً ما اذا كان سيصدر الشهر المقبل، وما يمكن أن يتسبب به من انعكاسات سلبية للغاية على حركة الملاحة الجوية في مطار بيروت من ناحية شركات الطيران الغربية.
حدث ثانٍ يمكن أن يتسبب بانتكاسة مالية هذه المرة يتعلق بتقرير مالي أعدته The Financial Action Task Force» (FATF)» وهي هيئة رقابية عالمية معنية بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مركزها البحرين ويتحدث عن تصنيف لبنان السلبي والذي لم يتجاوز المنطقة الرمادية بعد. وهذا أيضاً تقرير غبّ الطلب سيكون إن أعلن بمثابة إجراء هدفه التضييق أكثر على لبنان. كل التطورات التي نعيشها تؤكد أن الإستحقاق الرئاسي بعيد المنال ولم يعد مرهوناً بحوار أو بعودة لموفد رئاسي فرنسي، وأن كل التفاصيل التي نشهدها هي في الوقت الضائع.