زحلة تدخل عصر الباصات الصديقة للبيئة!
كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
تحت عنوان «رحّبوا بالباصات الصديقة للبيئة في زحلة» زفّت بلدية زحلة – معلقة وتعنايل عبر صفحتها على فايسبوك خبر إنطلاقها بالمراحل العملية لأوّل تجربة بلدية في النقل العام الصديق للبيئة، وتمنّت أن يكون نجاحها حافزاً لبلديات أخرى في تطبيق تجارب مشابهة.
جاء الإعلان إثر تسلّم البلدية أربع حافلات نقل للركاب من ضمن برنامج «التنمية المحلية على امتداد حوض نهر الليطاني» الذي ينفّذه صندوق التنمية الاقتصادية والإجتماعية بتمويل من الاتحاد الأوروبي. وهو برنامج يهدف إلى تعزيز جهود الحكومة اللبنانية لمعالجة الآثار السلبية لتدهور الموارد الطبيعية في حوض نهر الليطاني، وتردّي الأوضاع المعيشية للمجتمعات المحلية.
مع أنّ النقل العام يشكّل حاجة للناس في ظلّ تدهور قيمة العملة اللبنانية وبالتالي إرتفاع كلفة النقل إلى مستويات قياسية، إلا أنّ عرض المشروع على صندوق التنمية سبق الأزمة. وكان هدفه الأساسي التخفيف من نسبة التلوث العالية التي رصدتها تجهيزات ترقّب قامت وزارة البيئة بتركيبها على ضفاف نهر البردوني، حيث لفت رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب إلى الإرتفاع الكبير في نسبة التلوث على ضفاف نهر البردوني، مع أنّ المنطقة ليس فيها لا معامل صناعية ولا مولّدات خاصة، ممّا يعني أنّه ناتج عن عوادم السيارات بشكل أساسي.
إذاً، فكرة الباصات إنطلقت من خلفيات بيئية أولاً. وفي رؤية البلدية أنّ التحوّل إلى النقل العام الصديق للبيئة يضيف مدماكاً بيئياً جديداً في سيرة المدينة التي سعت منذ فترة طويلة للتخلّص من مشكلة نفاياتها بطريقة بيئية سليمة، وحملت العبء حتّى عن محيطها لتحافظ على سلامتها البيئية. أما الحافلات المصنّفة صديقة للبيئة فهي تعمل وفقاً لمواصفات أوروبية، وتشغّل كهربائياً أو بواسطة أنواع الفيول الصديقة للبيئة، علماً أنّها صديقة أيضاً لكبار السنّ، لذوي الإحتياجات الخاصة، للأمهات وعربات أطفالهنّ.
على رغم الترحيب الواسع الذي رافق إعلان البلدية عن تسلم الباصات الأربعة، وردت بعض التعليقات على حجمها الذي يصعّب وصولها إلى الأحياء، علماً أنّ كلّاً منها يتسع جلوساً لـ35 راكباً، ويمكنه استيعاب نحو مئة شخص بين الوقوف والجلوس. إلا أنه بحسب زغيب «نحن بحاجة إلى حجمين من الحافلات لتأمين النقل العام الشامل، حجم كبير كالذي وصلنا ويكون مخصّصاً لخدمة البولفار، وحجم أصغر من الباصات يمكنه أن يدخل إلى الأحياء، ولكنّنا في الواقع لن نتورّط في خدمة النقل العام في الأحياء قبل اكتساب خبرة أولاً في إطلاق الخطوط الرئيسية على بولفار مدينة زحلة».
ما يشكّل تحدّياً بالنسبة لبلدية زحلة في إنجاح هذه التجربة، أن لا سابقة لأي بلدية في إدارة نقل عام مشترك. وبالتالي فإنّ زحلة ستبني التجربة الأولى في هذا المجال، ولن تكفي جهود البلدية لإنجاحها، وإنما تتّطلب تغييراً في بعض الذهنيات السائدة وفي العادات وأنماط الحياة التي تجعل كلّ فرد في العائلة أحياناً يتنقّل بسيارة منفصلة. ومن هنا قد يكون لإرتفاع كلفة النقل حالياً فضل في تغيير هذه الذهنيات مستقبلاً، علماً أنّ بلدية زحلة وضعت رؤية أوّلية لسلّة من الحوافز تشجّع الناس على اختيار الباص في تنقّلاتهم، ومن بينها جعل هذه التنقّلات مجّانية لكبار السنّ، مع حسم على سعر بطاقة الصعود بالنسبة لطلاب الجامعات، على أن تسمح كل بطاقة بأكثر من رحلة في الباص خلال النهار الواحد.
إلّا أنّ الخطة النهائية تقترن بإنجاز مهمّة تلزيم تشغيل هذه الباصات أولاً، وقد بوشر به من خلال جلسة مناقصة عمومية أجرتها البلدية وفقاً لقانون الشراء العام يوم الإثنين الماضي. وقد تبيّن أنّ هناك عارضَين تقدّما لإلتزام تشغيل هذه الباصات. ولدى فضّ عرضيهما الإداريين ظهر نقص في الأوراق الرسمية المحدّدة بدفتر الشروط، والتي لم تستكمل بسبب إضراب موظفي القطاع العام، وبالتالي أُمهل العارضان حتى يوم الثلثاء المقبل لإستكمال أوراقهما، كي يتسنّى للبلدية فضّ العروض المالية المقدّمة، قبل نشر اسم الفائز بالعرض المالي الأدنى على منصّة هيئة الشراء العام، ومن ثم الدخول في مرحلة توقيع العقد، وقد تمنّى رئيس بلدية زحلة خلال تسلمه الباصات أن يتمّ خلال فترة شهر كحد اقصى.
وبالتزامن مع استكمال الإجراءات القانونية والإدارية، ستقوم بلدية زحلة بتحديد مسارات الباصات الأربعة، وستنحصر في الفترة الأولى بمسارين أساسيين، يشمل الأول بولفار زحلة الذي يحضن معظم المؤسسات الرسمية والخدمات التجارية والمصرفية والسياحية التي تقدّمها المدينة، والثاني يمتدّ من سنتر الحمرا بلازا في الكرك إلى مستديرة كساره حيث تنتشر فروع الجامعة اللبنانية وبعض الجامعات الخاصة، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الرسمية كالضمان الإجتماعي ومؤسسة مياه البقاع ومستشفى زحلة الحكومي وغيرها. ولدى بلدية زحلة تصوّر أولي تحدّد من خلاله 16 نقطة توقّف للباص على بولفار زحلة، يمكن أن يرتفع عددها لاحقاً أو يخفّض وفقاً لما تظهره التجربة من حاجات. وهذه التجربة أيضاً ستحدّد نقاط التوقف على مسار الكرك – مستديرة كساره.
وبانتظار ترجمة هذه التصوّرات عملياً على الأرض، تجنّبت البلدية الإحتفال بالحافلات التي تسلّمتها رسمياً. فبالنسبة لزغيب «نحن لسنا ممّن سيحتفلون بالباص لنبقيه في المستودعات، إنما إحتفالنا سيكون بتدشين مسارات النقل المشترك» آملاً أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن.