“وادي الحجير” للهاربين من كوابيس الهموم
كتب رمال جوني في “ندجاء الوطن”:
«على غير كوكب»، بدا الناس في وادي الحجير. تركوا أزماتهم وهمومهم داخل منازلهم، وقرّروا اللجوء إلى الطبيعة، هرباً من الضغط الذي يعيشونه. فضّلوا قضاء وقت في الوادي، بدلاً من الإستسلام لليأس. لم يفكّر أحدٌ بالبنزين ولا بغلاء اللحوم، كان هدفهم قضاء وقت بلا «نق»، بلا «توتّر». عشق الناس هذا الوادي، يُخبر حجم الحاجة إلى فترة راحة، من دون سماع خطابات سياسية حارقة، أو بيانات «تهزّ البدن». كان همّهم الراحة. افترشوا الحقول الخضراء، أشعلوا مواقد الحطب لإعداد طبق «مجدّرة»، و»بطاطا مقلية»، حتى حفلة الشواء لم تغب، حضرت أيضاً.
الكلّ بحاجة إلى جرعات تفاؤل، واسترخاء. في الوادي حيث الطبيعة تتحدّث بلغة الجمال، كان الناس يمارسون حياتهم كالمعتاد. حملوا درّاجاتهم الهوائية والناريّة للقيام بجولة استكشاف في أحضان الوادي، حيث تنتشر المقاهي والمطاعم و»الموتيلات». لا يخفي أحدٌ أنّ الوادي يُعدّ من أبرز المعالم السياحية في منطقة بنت جبيل، بالنظر إلى خصائصه البيئية والتراثية. من متحف وادي الحجير تنطلق الرحلة إلى عمق الوادي، حيث يتعرّف الزائر إلى تفاصيل حياة أدهم خنجر، وتحكي مطحنة الوادي تاريخ مؤتمر الحجير الذي عقد في أيام الشيخ عبد الحسين شرف الدين لمقاومة الإنتداب الفرنسي. على بعد أمتار من المطحنة التي باتت معلماً سياحيّاً مهمّاً، يفترش الناس الطبيعة. بعضهم استغلّها للبحث عن «قرص عنة، وحمّيضة وعلت» لإعداد وجبات قديمة تتماشى مع الأزمة المعيشية الراهنة، وبعضهم علّق الأراجيح لأولاده، في حين كان عدد منهم يلهون بالطابة .
لا مكان للسياسة هنا، يُعلّق أدهم، مؤكّداً أن الناس هربوا بحثاً عن السكينة. حتى الحديث عن الأزمات الملتهبة غاب أيضاً، وعلى حدّ قول أم يوسف «أتينا لنروّق راسنا، نريد أن نشم رائحة الفرح، تعبنا من كل ما يحيط بنا».
أتوا إلى هنا ليستعيدوا بعضاً من حياتهم الطبيعية، التي كانت سائدة قبل كل الأزمات التي تضرب البلد. يقف محمود أمام «كانون اللحم»، يُقلّب «شيش اللحمة»، قبل أن تسأله، يجيب: «حرمونا كل شيء، حتى الدواء والطبابة والتعليم، لن تقف الحياة عند سيخ لحم مشوي، ليوم واحد فقط، نريد أن نتنفّس لنحافظ على ثباتها». يخشى كثر اليأس، والإنتحار. بدا الأخير مرضاً يخترق حياة الشباب، يكاد يُسجّل كلّ يوم حالة انتحار، يردّه البعض إلى اليأس، والبعض الآخر إلى القلّة.
ليس مهمّاً، المهمّ كما تؤكّد سوسن «أن لا ننكسر للحزن». قصدت سوسن الوادي مع أهلها، أحضروا عدّة الشواء و»الأراغيل»، جلّ ما يريدونه الإبتعاد عن المشاكل، حتى أنهم ابتعدوا عن كلّ الأخبار. «لاحقين نسمع الأخبار والمشاكل»، يردّد أبو يوسف المنشغل، في الإصغاء إلى عجوز يعزف «الغيتار»، اعتاده الوادي، أنغام موسيقاه تُنعش الوادي وتصل إلى مسافة بعيدة، يتحلّق حوله من حضر، «الموسيقى بتردّ الروح» يقول زهير. كان في طريقه نحو شقرا قبل أن يوقف سيارته ويصغي إلى موسيقى الختيار. على بعد أمتار قليلة يتجمّع عدد كبير من الشبان، يستعدون لرالي الدرّاجات النارية، اعتاد هؤلاء الأمر منذ مدّة، يستغلّون الطقس الصيفي لممارسة هوايتهم. يشير موسى إلى «أنّه بات يعشق هذه الهواية. ينتظرها أسبوعيّاً»، أقلّه أفضل من التعلّق بلعبة القمار الذي دمّرت حياة العديد من الشباب. شكّل «ويك أند» وادي الحجير مساحة فاصلة بين الحياة والأزمات، حاول فيها الناس أن يعيشوا حياتهم على بساطة، قبل أن تُهاجمهم الأزمات مجدّداً مع بداية الأسبوع.