السعودية والملف الرئاسي: لا للمقايضة أو التسويات
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
كل حراك رئاسي لا تكون فيه المملكة السعودية طرفاً، لن يُعوّل عليه. كل من يهتم بملف إنتخابات الرئاسة في لبنان يدرك أن دور المملكة وحضورها على جانب من الأهمية، ولذا تصبح كل حركة يقوم بها سفيرها في لبنان وليد البخاري موضع تحليل في الأبعاد والمغزى.
وهذا ما ينطبق على تغريدته الاخيرة عن أطروحة الأمل التي تستهويه و»الَّذي لَا يمنَحُ الثِّقَةَ وَلَا يَرتَقِي إِلَى مُستَوى التَّنَبُّؤِ»، غامزاً من قناة أولئك الذي يضعون المملكة بالتحليل إلى جانب هذا المرشح أو ذاك، بما يتنافى مع الواقع.
بعد اللقاء الخماسي عاد البخاري إلى لبنان لكنه لم يسجل أي حراك سياسي أو نشاط ديبلوماسي متصل بملف الرئاسة أو يؤشر إليه. منذ بداية الموضوع الرئاسي وحتى الساعة ترفض المملكة الدخول في بازار الأسماء الرئاسية وتكتفي بالحديث عن مواصفات، وترفض حسبما تنقل مصادر مطلعة على موقفها، المقايضة بين الرئاستين الأولى والثالثة، وقد كانت من خارج الدول التي وافقت على ثنائية سليمان فرنجية ونواف سلام، ما يجعل من الصعب أن يُكتب لها الإستمرار. تؤكد المصادر عينها أنّ السعودية لم تعلن موقفاً لأي من المرشحين المتداولة أسماؤهم سواء كان فرنجية أو ميشال معوض أو قائد الجيش العماد جوزاف عون.
منذ بدأ الشغور الرئاسي كان سليمان فرنجية يبحث عن أي طرف على صلة وثيقة بالمملكة السعودية ليكون بوابته إلى التواصل مع المسؤولين فيها. إستعان ببعض الأصدقاء المشتركين لكنه كان يصطدم برفض المملكة الدخول في الملف بمنح الثقة لاسم مرشح معين. عندما نظمت المملكة مؤتمراً عن الطائف في الأونيسكو شملت الدعوات لحضوره كل الأطياف والأحزاب اللبنانية بإستثناء «حزب الله». فُسّر المؤتمر على أنه انفتاح سعودي لمصلحة فرنجية الذي حاول ونجله بعده مباشرة فتح قنوات مع السعودية ولا تجاوب. كانت السعودية توضح لمستفسريها أنّ الهدف
كان التأكيد على وقوف المملكة على مسافة واحدة من الجميع. وفي نفس الوقت كانت تبعث برسائل مماثلة في خصوص ترشيح النائب ميشال معوض، بدليل أنّ النواب السنة وإن كان بعضهم صوّت لمعوض فإنما كخيار سيادي وعلى سبيل تسجيل موقف وأن تكتل الإعتدال السني النيابي عاد وأبقى على خيار «لبنان الجديد».
أمّا خيار قائد الجيش جوزاف عون فقد لا يكون لديها مشكلة معه بالشخصي ولكنّها لم تخض معركته ولم يخضها أيضاً أي من حلفائها في لبنان. أفضل من يمثل موقف المملكة هو رئيس «الإشتراكي» وليد جنبلاط الذي لم يذهب إلى خيار سليمان فرنجية رغم كونه حليف الرئيس نبيه بري، لكنه سبق وعبّر عن امتعاضه من خيار العماد عون ثم عاد ووضعه ضمن الأسماء الثلاثة المقترحة من قبله.
تقول المصادر إنّ السعودية حالياً لن تذهب باتجاه خيار فرنجية أو معوض أو غيرهما، وترفض الدخول بالأسماء، أو وضع فيتو على أي مرشح بالمقابل. تركز على توصيف دقيق للرئيس بألا تكون قراراته مسيطراً عليها من جهة واحدة ولا يكون مرشح فريق في مواجهة فريق آخر. تؤكد السعودية على خيار الرئيس التوافقي. المهم من وجهة نظرها البرنامج الذي سيعمل عليه الرئيس العتيد وما سيتعهد بتنفيذه من إصلاحات تنادي بها السعودية، منذ ورقة الإصلاحات ببنودها السبعة والعشرين والتي سبقت إستقالة سعد الحريري إلى تلك التي أوصى بها صندوق النقد، والورقة الكويتية التي أثبتت أنّ السعودية لم تخرج من لبنان على عكس المعتقد السائد.
وعلى صعيد العلاقة السياسية، فالسعودية في أزمة مع طرف في لبنان هو «حزب الله»، ويجب على الرئيس الجديد أن يتدخّل لحلها بما يحفظ العلاقة مع السعودية، ويعالج الملفات العالقة. في الوقت الحاضر تقتصر العلاقة بين لبنان والسعودية على جبهتي صندوق الدعم الفرنسي- السعودي ومركز الملك سلمان، أي الشق الإنساني، وغير ذلك لا حديث ولا نقاش، مع العلم أنّ المملكة تبدي إستعدادها لتوقيع جملة إتفاقيات مع رئيسي الجمهورية والحكومة المقبلين شرط القيام بالإصلاحات اللازمة. وهذه الإتفاقيات ستكون بأهمية التوقيع مع صندوق النقد.
ترفض السعودية العودة الى خيار التسويات. سبق واكتسحت المعارضة إنتخابات العام 2009 ومن ثم تمّ الإنقلاب على الحريري وهو في واشنطن، كما ترفض مبدأ المقايضة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتريد ضمان شخص رئيس الجمهورية وبرنامج عمله وتوجهاته. رفضها الدخول في الأسماء كان سبباً في فشل الإجتماع الخماسي في باريس. فهي لا تتبنى أي مرشح رئاسي أو أي مرشح لرئاسة الحكومة. حين زارت السفيرة الفرنسية آن غريو «تكتل الإعتدال» وطرحت عليهم ثنائية فرنجية – سلام تولى أحد الحاضرين الحديث باسم النواب قائلاً: «نحن وبشكل عام لا نصوت أو نكلف رئيس حكومة لم نختبر معه العمل السياسي من قبل».
أصداء الموقف السعودي في متناول المعنيين مباشرة بالملف الرئاسي فضلاً عن الموقفين الأميركي والفرنسي، بأنّ مرشح «حزب الله» هو سليمان فرنجية، ولذا فالسؤال: هل كان يقصد رئيس المجلس نبيه بري وضع ترشيحه على الطاولة للبدء بخوض معركته علانية، أو لاظهار أنّ لا دعم مسيحياً أو دولياً وإقليمياً لترشيحه ما يدفعه للإنسحاب؟
أطلق بري بما قاله رصاصة الرحمة على ترشيح ميشال معوض وجوزاف عون وأعلن ترشيح فرنجية، فهل لفتح باب النقاش علانية بخصوصه أم لإنهاء حظوظه؟ الذهاب باتجاه هذا التحليل يزكيه دخول جنبلاط على الخط لدعم حليفه في وقت يرفض ترشيح فرنجية. بالمقابل يرفض «حزب الله» إنتخاب فرنجية بغالبية 65 صوتاً. عين الكل على المملكة وعين الأخيرة على اليمن.
والجلسة السادسة المتبقية من الحوار السعودي – الإيراني قد تفرج عن ملف الرئاسة في لبنان لكن المسار طويل ومعقد، ولذا فأبواب المملكة ستبقى مواربة تجاه الكل، ولكن في هذا الوقت لا لقاءات سياسية بين مسؤولين لبنانيين وسعوديين ولا تواصل رئاسي، تنهي المصادر قولها.