البيطار “يطحش”.. والمجتمع الدولي “مارِس مهامك والباقي علينا”
جاء في “المركزية”:
أشبه بعصف لحظة تفجير مرفأ بيروت، نزل قرار استئناف المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار تحقيقاته اليوم بعدما كان معلقا لمدة سنة وشهر بسبب وجود أكثر من 40 دعوى كف يد ورد طلبات.
قرار البيطار استند إلى دراسة قانونية معلّلة ومبرّرة بمواد قانونية. لكن الأبرز في “الصاعقة” التي دوت في أرجاء قصر العدل تمثل في إصداره قرارا بإخلاء سبيل كلّ من سليم شبلي متعهد أعمال الصيانة بالمرفأ، أحمد الرجب عامل سوري يعمل مع سليم شبلي، ميشال نحول مدير في المرفأ، شفيق مرعي مدير الجمارك سابقاً، وسامي حسين مدير عمليات في المرفأ، والإدعاء على ثمانية أشخاص جدد، بينهم مدير عام أمن العام اللواء عباس ابراهيم ومدير عام أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا.
حتى ليل أمس كانت الأجواء توحي بأن القاضي البيطار باق خارج دائرة استئناف التحقيقات بعدما رفض تقديم أي معلومات للمحققين الأوروبيين الذين التقوه قبل مغادرتهم لبنان بحجة أن هناك حوالى 40 دعوى بين كف يد ورد طلبات وبالتالي لا يمكنه تقديم أي معلومات. إلا أن المحققين أوضحوا له بأن هناك معاهدات دولية تعلو على القانون الداخلي اللبناني وبالتالي يمكنه تقديم معلومات، مع ذلك أصر على موقفه الرافض.
صباح اليوم تغيرت المعادلة أقله في العلن. القاضي البيطار في مكتبه في قصر العدل وكأن ثمة إشارة ما، وميضاً ما، رسالة ما. وما هي إلا لحظات حتى تغير المشهد. لكن الأكيد أن مشهدا بهذه الدقة والخطورة ليس وليد اللحظة. حتى أن تداعيات استئناف البيطار التحقيقات والاتجاه لادعائه على كل من مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ومدير عام أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا لا تقل خطورة وترقبا لهذه اللحظة المفصلية.
القاضي شكري صادر، الذي كان يقرأ بتمعن الدراسة القانونية المعللة التي استند إليها البيطار، يوضح عبر “المركزية” خلفيات القرار من الناحية القانونية البحت ويقول: “معلوم انه مضى أكثر من 13 شهراً على استبعاد المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي البيطار عن النظر في الملف بسبب وجود حوالى 40 دعوى رد طلبات وكف يد، بما في ذلك قضايا إخلاءات السبيل. إلا أن شرارة التحوّل بدأت مع تقدم وكلاء الموقوفين في جريمة تفجير المرفأ بطلب إخلاء سبيل للرئيس الأول لمحكمة التمييز بالإستناد إلى معاهدة دولية أبرمها لبنان عبر مجلس النواب على غرار المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد وتبييض الأموال التي وقعها لبنان عام 2008. وعليه أصبحت هذه المعاهدة من ضمن النظام القانوني اللبناني وتعلو عليه”.
المعاهدة الدولية اعتبرت أن الصفة المعطاة للموقوفين هي الإعتقال بعد مرور عامين ونصف على توقيفهم من دون محاكمة. لكن لماذا حصل هذا التطور في هذه اللحظة وبعد مرورعامين و5 أشهر على توقيفهم؟ “لأن وكلاء الموقوفين استندوا بعد عامين ونصف على المعاهدة الدولية .قبلها تم تقديم طلبات إخلاء السبيل إلى الرئيس الأول لمحكمة التمييز لكنه رفض النظر بها كونها لا تدخل في اختصاصه في ظل وجود محقق عدلي ولم يحلها بدوره إلى المحقق العدلي لاتخاذ القرار المناسب في شأنها”.
وردا على ما يثار حول عدم إثارة البيطار مسألة المعاهدة الدولية، يجيب صادر “لا يمكنه إثارة موضوع مماثل من تلقاء نفسه”. ويضيف “أنا مرتاح للتطورات التي حصلت في ملف تفجير المرفأ لأننا منذ اللحظة الأولى على صدور طلبات الرد قلنا أن المحقق العدلي لا تنطبق عليه، إنما تجوز على أعضاء المجلس العدلي .إلا أن البيطار شمل نفسه ليعود ويتبين أنه لا تجوز تنحية أو رد المحقق العدلي وهناك فارق كبير بين أعضاء المجلس العدلي وعددهم 5 قضاة والمحقق العدلي وهذا ما توضحه الدراسة القانونية المعللة التي استند إليها البيطار”.
الساعات المقبلة قد تحمل الكثير من المفاجآت، لكن الأكيد أن القاضي البيطار قرر أن “يطحش” بعد إبعاده قسرا عن الملف لمدة 13 شهرا. وبقراره استئناف التحقيقات وإخلاء سبيل 5 موقوفين والإدعاء على 8 أشخاص من بينهم اللواءين ابراهيم وصليبا تأكيد بأن لا تراجع خطوة واحدة إلى الوراء إلا إذا وجد المجلس العدلي أن ثمة خطأ ما في التفسير والدراسة القانونية. “آنذاك فليتحمل بنفسه العواقب ويتصرف”.
في انتظار تطورات الساعات المقبلة تبقى الآلية القانونية التي تفرض أن يمثل المدعى عليهم أمام المحقق العدلي لاستجوابهم، وفي حال التخلف يحق للبيطار إصدار مذكرات توقيف في حقهم. فهل تكون عودة البيطار لاستئناف التحقيقات في ملف تفجير المرفأ هذه المرة نهائية وتصل إلى خواتيمها خصوصا أن المعلومات تشير إلى أنه كان شارف على إنهاء القرار الاتهامي في هذه الجريمة وقدّر أنه بلغ حتى الآن 540 صفحة، وتبقّى من 120 صفحة إلى 150 صفحة لإنجازها؟ أم أنها تكتب هذه العودة خاتمة الملف بـ”قبع” الحقيقة على طريقة جماعة الأمر الواقع؟
“الأكيد أن القاضي البيطار سيكمل من حيث توقف. وإذا كانت ثمة عبرة ما من دخول المحققين الدوليين على الخط، فمفادها “إنت مارس مهامك ونتكفل بمحاسبة أي صوت يعترض طريقك للوصول إلى حقيقة من فجر مرفأ بيروت ومن المسؤول عن إحضار وتخزين مواد نيترات الأمونيوم”، يختم صادر.