بين اللبناني ومخالفات السير.. علاقة ملتبسة!
كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:
«أين شرطة السير، أين الدوريات، أين محاضر الضبط بالمخالفين؟». هذا ما يصرخ به اللبنانيون كلما علقوا في زحمة سير خانقة أو واجهتهم سيارة دخلت عكس السير رافضة التراجع. «هلق وقت الظبوطة؟ الدولة ما بالها إلا كيف تعمل محاضر ضبط بالناس المعترين» هو ما يصرخ به اللبنانيون أنفسهم حين يتلقون محضر ضبط لوقوفهم في مكان ممنوع أو لتجاوزهم حد السرعة المسموحة. فعلاقة اللبناني بمخالفات السير ملتبسة وكذلك علاقة الدولة بها وقد زادت التباساً اليوم مع اشتداد الأزمة.
في تاريخ 22 تشرين الأول 2012 أقر قانون السير الجديد في لبنان وحمل الرقم 243 وفند القانون المذكور كافة مخالفات السير ووضعها تحت 5 فئات تضم كل فئة عدداً كبيراً من البنود يصل في الفئة الثانية مثلاً الى 123 نوعاً من المخالفات. وهذا ما يدل على أن السير في لبنان يفترض أن يخضع لنظام صارم يؤمن السلامة المرورية ويسهل حركتها ويؤمن كذلك أمن المركبات وركابها وشرعية سيرها على الطرقات ويحرص على أمان المشاة وتقيدهم بالقوانين التي تحفظ سلامتهم. وكل مخالفة مرتكبة تستدعي وفق القانون سحب نقاط من رخصة السير أو احتجاز المركبة وغيرها من العقوبات. آلية سحب النقاط لم توضع قيد التنفيذ وما زالت العقوبة المتبعة هي تسطير محاضر ضبط بحق المخالفين يدفع بموجبها هؤلاء غرامات يجب تسديدها خلال 15 يوماً. فأين هي محاضر الضبط اليوم ومن لا يزال مستعداً لدفعها؟
مخالفات بالجملة من يتحمل مسؤوليتها؟
تخطي إشارة حمراء، حمولة زائدة، القيادة دون رخصة، قيادة سيارة غير مسجلة، التشفيط، تدخين سائق سيارة الأجرة في أثناء عمله، اجتياز الفاصل بين مسلك وآخر… هذا غيض من فيض مخالفات السير التي يذكرها القانون فأين اللبناني منها اليوم؟ فمع توقف عمل مصلحة تسجيل السيارات والآليات بشكل شبه تام وتوقف المعاينة الميكانيكية الإجبارية كلياً وتوقف عمل غرفة التحكم المروري بكل معداتها، ومع غياب الكهرباء عن الطرقات وارتفاع تعرفة مواقف السيارات وغياب الـ»بارك ميتر» عن معظم المدن ماذا يتبقى من مخالفات؟ وفي ظل الفوضى المستشرية من يراقب سلوك السائقين والمشاة الذين بات معظمهم يعاني من اضطرابات سلوكية ونفسية وعصبية؟ وهل يمكن تحميل المواطنين مسؤولية غياب الدولة ومؤسساتها ؟
المهندس جان دبغي مدير غرفة التحكم المروري سابقاً ومدير قسم التحكم بالسير في مدينة تورنتو الكندية حالياً يروي بغصّة لـ»نداء الوطن» الحال التي آلت إليها غرفة التحكم المروري في لبنان بعد أن كانت من بين الأفضل في العالم.»ما كان لدينا في لبنان يضاهي الموجود في تورنتو لا بل يتفوق عليه لناحية السرعة في الاستجابة والصيانة، لكن للأسف كل شيء توقف. منذ العام 2020 توقفت صيانة إشارات السير الضوئية والكاميرات بسبب خلافات بين هيئة السير والبلديات. واليوم الإشارات تعمل ( بعضها على الأقل) لكنها لم تعد موصولة بغرفة التحكم أي أنها لا تخضع لتوقيت يتماشى مع وضع السير وحال العجقة كما أن الرادارات المتصلة بها والتي ترسل إشارة الى الغرفة في حال تخطت إحدى السيارات الضوء الأحمر لم تعد شغالة. أما كاميرات المراقبة فكلها متوقفة فيما رادارات السرعة وهي تابعة لقوى الأمن فلا تزال تعمل وترسل بيانات الى قوى الأمن ليتم تسطير محاضر ضبط».
اليوم لا يزال عناصر قوى الأمن بحسب دبغي موجودين في غرفة التحكم المروري لكن ليس باستطاعتهم رصد المخالفات على الشاشات نظراً لتوقف الكاميرات. «سابقاً كنا نرصد السيارت المتجهة عكس السير أو الشاحنات المخالفة أو الدراجات التي تقوم بحركات بهلوانية وكل ما عدا ذلك من مخالفات في الطرقات والشوارع ونبلغ عناصر قوى الأمن الموجودين معنا ليبلغوا بدورهم العناصر المنتشرين على الطرقات ليعملوا على إيقاف المخالفة وتسطير محضر ضبط بحق مرتكبها. وكنا نذكر على صفحتنا عبر تويتر بشكل يومي عدد محاضر الضبط التي سطرتها القوى الأمنية بعد الحصول على الداتا منها».
مراقبة بأم العين
عناصر قوى الأمن الموجودون في غرفة التحكم المروري هم الذين يتولون صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إنما لا يديرون معدات الغرفة التي باتت متوقفة نظراً لغياب الصيانة ولتضرر المبنى بشكل كبير إثر انفجار المرفأ وعدم المبادرة الى تصليحه وهم ينشرون تقارير الحوادث والمخالفات التي تردهم من مفارز السير ومخالفات السرعة التي تضبطها الرادارات.
إذا في غياب المراقبة الفعلية عن بعد عبر الكاميرات فإن شرطة السير ودوريات قوى الأمن هي التي تتولاها على الأرض وتعمل على تسطير محاضر ضبط بحق المخالفين.
«منذ سنتين وأنا اتنقل بلا توقف على الطرقات بين جونيه والدورة بحكم عملي كمندوب مبيعات متجول يقول جوني وخلال هذه الفترة لم يطالعني أي حاجز لقوى الأمن للتدقيق بأوراق السيارة أو التأكد من حالها. ونادراً ما أرى دراجي قوى الأمن يدققون في هذه الأمور بل إنهم يتدخلون فقط لتسهيل السير وإزالة سيارة معطلة وسط الطريق أو متوقفة في مكان يعيق السير».
ما يقوله الشاب نلاحظه جميعنا على الطرقات، ورغم الجهود التي تبذلها القوى الأمنية على كل الجبهات فإن جبهة السير لا تزال الأضعف. محاضر الضبط موجودة لا سيما بالنسبة للوقوف في الأماكن الممنوعة في وسط بيروت بشكل خاص، والمخالفات التي يرصدها بأم العين شرطي السير ودوريات قوى الأمن يتم تسطير محاضر ضبط بها. ورادارات السرعة لا تزال تضبط المخالفين لكن مما لا شك فيه أن عدد محاضر الضبط قد تراجع بشكل كبير.
رادع بمفعول رجعي
«موضوع المخالفات لا يخلو من الإشكاليات كما يقول زياد عقل رئيس جمعية اليازا والإشكالية الأكبر في طريقة تحصيل محاضر الضبط. بغض النظر عن أعداد ما يسطر من محاضر ضبط هل يتم تحصيلها؟ والسؤال الأهم متى يتم تحصيلها؟ فمخالفة السير وفق القانون ينبغي أن يتم تحصيلها في غضون عام واحد. اما في لبنان فالمخالفات التي تُحصّل، وهي جزء بسيط من مجمل المخالفات، يتم تحصيلها بعد خمس أو حتى عشر سنوات. إذاً المشكلة تكمن في كمية التحصيل وفي توقيته. فمن يقوم بمخالفة مثلاً على دراجته النارية ويسطر بحقه محضر ضبط يدفعه بعد سنوات، فإن محضر الضبط لا يشكل حينها أي رادع معنوي له وبعد سنوات قد يكون قد استفاق وغيّر أسلوب حياته. الهدف من الضبط أن يردع المخالفين حتى لا يكرروا مخالفاتهم. أما إذا تركوا لسنوات فحينها لن يستفيدوا لا هم ولا المجتمع من هذه العقوبة».
حتى لا نترك الباب مفتوحاً للمخالفات والمخالفين، فإننا نؤكد أن محاضر الضبط لا تزال قائمة وإن بوتيرة اقل للأسباب المذكورة سابقاً. والنصيحة التي يمكن تقديمها لكل السائقين أن لا يتأخروا في تسديد ما يسطّر بحقهم من مخالفات وأن يدخلوا بشكل دوري الى موقع قوى الأمن قسم مخالفات السير للتأكد من عدم وجود محاضر ضبط بحقهم، وأن يتأكدوا من بياناتهم أي رقم الهاتف والعنوان الثابت ليتم تبليغهم بالمخالفات، حتى لا يفاجأوا يوماً وهم في المطار أو على أي معبر حدودي بأنهم مطلوبون الى العدالة… فالدولة تمهل ولا تهمل ولا يضيع ضبط وراءه مطالب.