انفراجٌ في ملف ترسيم الحدود البحرية
كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
تتجه الأنظار إلى الزيارة المرتقبة نهاية الشهر الحالي او مع بداية آب المقبل للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، حيث تعد هذه الزيارة من اهم الزيارات التي قام بها هوكشتاين إلى لبنان في ما خص ترسيم الحدود البحرية، خصوصاً وأنها تأتي في ظل تهديدات اسرائيلية يومية، وبعد ايام من حدث «المسيرات» فوق المنطقة المتنازع عليها اي حقل «كاريش».
ومما لا شك فيه أن جولة المفاوضات غير المباشرة التي سيقوم بها المبعوث الاميركي حول هذا الملف مفصلية، فإما يتم التوصل إلى اتفاق او تتجه الامور إلى التصعيد والمواجهة بين المقاومة واسرائيل وهو ما تعمل على تجنبه الولايات المتحدة الاميركية بحسب مصادر مطلعة على مسار هذه المفاوضات.
ووفق هذه المصادر فإنه يفترض ان يأتي الوسيط الاميركي بجواب واضح ونهائي حيال المطالب التي سمعها من المعنيين في لبنان، لأن هامش المناورة قد ضاق كثيراً، فإما الاستجابة لهذه المطالب المحقة بالترسيم والاستخراج مع التشديد على كلمة استخراج، وإلا فإن الاحتمالات مفتوحة على التصعيد على الرغم من التطيمنات الاميركية والفرنسية بأن الاوضاع ذاهبة باتجاه الانفراجات.
وتكشف المصادر عن ان المصريين ابلغوا المعنيين بهذا الملف في لبنان بأن تل ابيب لا تريد التصعيد، وأن القيادة المصرية تسعى لحل ينصف لبنان ويعطيه حقه في استخراج ثروته من النفط والغاز، كما ان التطمينات ذاتها سمعها الجانب اللبناني الاسبوع الفائت من باريس عن طريق السفيرة الفرنسية في لبنان التي اكدت لمسؤولين التقتهم ان بلادها تحرص على استفادة لبنان من ثروته النفطية، وابتعاد كل الاطراف المعنية عن اي تصعيد وترك عملية التفاوض غير المباشر بين الجانبين تأخذ مجراها الطبيعي في ظل مناخات من الهدوء.
وبالرغم من هذه التطمينات العربية والدولية فإن الجانب اللبناني لا يزال يرهن الامور بالوقائع اليومية وما سيحمله الوسيط الأميركي بهذا الخصوص، حيث إن المسؤولين في لبنان ومعهم قادة المقاومة لا يغفلون التهديدات الاسرائيلية ورسائل الضغط العلنية التي يبعث بها قادة اسرائيل السياسيون والعسكريون، في ظل حالة الارباك ايضاً التي يعيشونها، حيث ترددت معلومات عن طرح يتم التداول به لدى الاجهزة الامنية الاسرائيلية يتعلق بإمكانية نقل منصة «كاريش» إلى مكان آخر، إلا أن هذا الطرح لم يلقَ استحسان بعض القادة الاسرائيليين الذين رأوا الكثير من التعقيدات التي لا تمكِّنهم من قبول هذا الخيار.
غير ان هذه المصادر التي تبدي الحذر الشديد في تحديد الوجهة التي سيسلكها ملف الترسيم في ضوء الضغوطات المتبادلة، ترى ان عوامل الانفراجات تقدمت في الآونة الأخيرة على المخاوف من الانفجار، مستندة بذلك إلى نتائج اتصالات ومشاورات كانت قد انطلقت غداة حادثة «المسيرات»، والتي اخذت منحى مختلفاً عما كانت عليه قبل تبني «حزب الله» مسؤوليته عن هذا الحدث، اي «المسيرات» التي تابعها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منذ لحظة انطلاقها إلى حين سقوطها فوق منطقة تقصّد السيد نصر الله تحديدها لكي يسمع كل من يعمل في المنصة دوي انفجارها وذلك كرسالة مفادها ان الحزب لا يمزح في ما قاله بأنه لن يسمح للاسرائيلي باستخراج اي نقطة نفط او غاز ما لم يكن قد حصل لبنان على حقه.
وفي اعتقاد المصادر ان ما تضمنه خطاب السيد نصر الله الاخير في ما خص ترسيم الحدود، قد دفع بالولايات المتحدة واسرائيل بالتقدم خطوات إلى الأمام، بما يساعد على الوصول إلى حلول للعقد التي لا تزال تعترض التفاهم على عملية الترسيم، مشددة على ان لبنان لن يقبل بتجزئة اي اتفاق وهو يصرُّ على ان تتزامن عملية الترسيم مع آلية الاستخراج، لأنه يرفض الوقوع في فخ اي عملية احتيالية لاسرائيل بهذا الشأن، مشيرة إلى ان تل ابيب ستحاول الوصول الى اتفاق قريب لتلبية الحاجة الأوروبية للغاز قبل الشتاء خصوصاً وأن اتفاقاً بهذا الشأن وقّع بين المسؤولين الاسرائيليين ورئيسة الاتحاد الاوروبي الشهر الفائت للتعويض عن الغاز الروسي الذي لن يصل القارة العجوز بفعل العقوبات التي فرضت على موسكو بفعل الحرب مع اوكرانيا.
وفي دلالة واضحة على مدى الاهتمام الاميركي والدولي بشكل عام بضرورة الوصول إلى حل لعقدة الترسيم، هو ما نقله عدد من السفراء من بينهم السفيرتان الاميركية والفرنسية إلى المسؤولين اللبنانيين بأن أمر تأليف الحكومة ليس اولوية بالنسبة لهم، وأن جُلَّ ما يريدونه هو الانتهاء من ملف الترسيم قبل أي شيء آخر، وهذا يعكس ان الولايات المتحدة ومعها اوروبا محشورتان في الزاوية وهي تسعى بكل ما يمكن من قوة للتعويض عن الغاز الروسي قبل حلول فصل الشتاء، وقد ابلغ لبنان هؤلاء بأنه ليس في وارد التنازل عن اي ذرة من حقه، وانه اذا ارادت اميركا واوروبا الاستفادة من الغاز من حصة اسرائيل فما عليهما الا الضغط على تل ابيب واعطاء حصة لبنان كاملة من دون اي نقصان.
وتخلص المصادر إلى القول: صحيح أن هناك ايجابيات بهذا الملف، لكن التجربة مع الاميركي والاسرائيلي لا تطمئن،ولذلك على لبنان ان يبقى في اعلى درجات الاستنفار للوصول إلى الخواتيم، فالمسألة ليست مسألة ترسيم فقط بل اطلاق عجلة التنقيب والاستخراج، لأنه اذا رسمنا من الممكن ان تأتي الشركات وتقول نحن لا نعمل إلا من خلال اتفاق يرضي الطرفين في ما خص الاستخراج فماذا نفعل عندها؟ مشددة على ان لبنان لديه الآن فرصة تاريخية للحصول على حقه من النفط والغاز في ظل حاجة اوروبا لتأمين بديل عن النفط والغاز الروسي.